صنعاء ـ علي ربيع
عادت قضية ما يعرف بـ"زواج الصغيرات" في اليمن إلى الواجهة مجددًا، بعد قرار لجنة الحوار إدراجها ضمن جدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والذي سيناقش كما هو مقرر له قضايا مصيرية، تتعلق بإعادة تشكيل بناء الدولة ونظام الحكم والدستور والنزعات الانفصالية في الجنوب والطائفية في الشمال ، كما أقرت اللجنة الاثنين بشكل مبدئي وبحضور فريق فني من الأمم المتحدة يرأسه مستشار الأمين العام ومبعوثه لليمن جمال بن عمر أن يكون قوام مؤتمر الحوار ما بين 400 إلى500 شخص، باعتبار أن هذا العدد هو النموذج الأنسب لنجاح المؤتمر.
وفي السياق ذاته، دافعت الناطقة بإسم اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل الناشطة أمل الباشا عن إدراج اللجنة لـ"زواج الصغيرات" ضمن جدول أعمال المؤتمر، باعتبار أنها -حسب قولها- قضية اجتماعية محورية، تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، وخرقًا صارخًا لبراءة الطفولة، وسط عجز سياسي عن إقرار تشريعات قانونية تضع حدًا لظاهرة زواج القاصرات.
وأكدت الباشا أن مؤتمر الحوار ليس حكرًا على القضايا السياسية وحسب، ولكنه سيناقش قضايا وطنية أخرى، لتشكل ملامح اليمن الجديد، كالقضية الجنوبية وحروب صعدة وهيكلة الجيش وصياغة دستور جديد ومكافحة الإرهاب والإصلاحات القضائية والتشريعية والإدارية والعدالة الانتقالية، وانتهاكات حقوق الإنسان كالاعتقالات والاغتيالات والتعذيب والإخفاء القسري والخطف، وحقوق الفئات المستضعفة كالأطفال والمهمشين وذوي الإعاقة والأقليات المذهبية والدينية. وكذلك وقف النزاعات المسلحة وحماية المدنيين والنازحين، بالإضافة إلى القضايا التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ومكافحة الفقر والفساد، وترسيخ مبادئ الحكم الرشيد لمجتمع ديمقراطي عادل.
وأشارت الباشا إلى أن تسمية مؤتمر الحوار بـ"الوطني الشامل" جاءت لتستوعب كل القضايا الوطنية على تنوعها، دون الاكتفاء بالقضايا السياسية، واتهمت مهاجمي اللجنة التحضيرية على خلفية إدراجها قضية "زواج الصغيرات" ضمن جدول أعمال مؤتمر الحوار بعدم استيعابهم للغاية من الحوار، وبقصور في فهمهم لـ"الآلية التنفيذية" للمبادرة الخليجية.
وردت الباشا على استفسار لـ"العرب اليوم" حول مدى سماح المدة الزمنية لمؤتمر الحوار، والمقررة بـ6 أشهر، وقدرتها على استيعاب كل تلك القضايا وتفرعاتها المختلفة، وقالت الباشا "مع وجود فرق متخصصة داخل مؤتمر الحوار، ستكون مدة 6أشهر كافية جدًا".
وقد أثار إدخال قضية زواج الصغيرات إلى جدول مؤتمر الحوار اليمني جدلاً سياسيًا ودينيًا في الأوساط اليمنية، حيث تهكم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من هذا القرار، معتبرين أن إدخال قضايا كهذه إلى مؤتمر الحوار دلالة على عدم جدية اللجنة التحضيرية، وأن القضايا الاجتماعية الصغيرة يمكن أن تعالجها القوانين البرلمانية، وأنه ليس من عمل مؤتمر الحوار إصدار تشريعات، بل التوافق على حلول بشأن القضايا الوطنية المحورية، بما يؤسس لصفحة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر، تعالج الواقع الاجتماعي المليء بالاضطرابات والمشاكل الأمنية، وارتفاع معدلات الفقر ونسب البطالة وتدني مستويات التعليم.
وطالب سياسيون وناشطون عبر مقالات نشرتها وسائل إعلام محلية بإدراج قضاياهم الشخصية ضمن أعمال مؤتمر الحوار، و ذلك على سبيل السخرية من عمل اللجنة التحضيرية المشكلة بقرار رئاسي، للتحضير لمؤتمر شامل للحوار الوطني في اليمن وفقاً لما قررته المبادرة الخليجية من خطوات للانتقال السياسي، بعد رحيل الرئيس اليمني السابق عن السلطة.
وكانت قضية زواج صغيرات السن قد أثارت جدلاً كبيرًا في 2010 بعد زواج طفلة عمرها 8سنوات، وتحولت إلى صراع سياسي على إثر مناقشة البرلمان اليمني لقانون يسعى لتحديد سن الزواج،بـ 18 عامًا، وهو ما رفضته مكونات اجتماعية ودينية، معتبرة أن مشروع القانون مخالف للشريعة الإسلامية، التي لم تضع سنًا معينا للزواج، وأنه يتعارض مع التقاليد والأعراف.
فيما دافع ناشطون وحقوقيون لصدور مثل هذا القانون، مستندين إلى تقارير حقوقية وطبية تقر وفاة 6 يمنيات يوميًا بسبب الزواج المبكر، وما يترتب عليه من مشاكل مثل الولادة المتعسرة والانتهاك الجسدي، فضلاً عن سوء معاملة الأزواج الذكور لزوجاتهم القاصرات.
ومع احتدام الصراع بين المؤيدين للقانون والمعترضين عليه، أقيمت مظاهرات ومسيرات احتجاجية إلى مقر البرلمان من قبل الأطراف كلها، وهو ما أجبر السلطات آنذاك إلى الإيعاز للبرلمان بإيقاف مناقشة القانون وتعطيل صدوره، وهو ما مثل انتصارًا بحسب حقوقيين للقوى المعارضة لصدور القانون، والتي تنتمي في معظمها لتيارات راديكالية متشددة.
وفي سياق آخر، واصلت اللجنة الفنية للحوار الوطني الشامل اجتماعاتها الاثنين برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني، وبحضور فريق الأمم المتحدة بقيادة جمال بن عمر وفريق الخبراء التابع له، حيث تركزت النقاشات لليوم الثالث على التوالي على حجم المشاركة إجمالاً، ونسبة تمثيل مكونات الأطراف المجتمعية في مؤتمر الحوار، إلى جانب تدارس آليات ومعايير الاختيار للوفود المشاركة.
وقالت الناطقة بإسم اللجنة أمل الباشا في بيان صحفي حصلت "العرب اليوم" على نسخة منه، إن اللجنة أقرت الاثنين بشكل مبدئي نموذج حجم المشاركة المتوسط، والذي يتألف من 400 إلى 500 شخص، وهو ما يضمن حسب رأيها الفعالية للحوار، بعيدًا عن نموذج التمثيل النخبوي، الذي قالت أنه لا يؤدي إلى تمثيل كافة الشرائح الاجتماعية، بما فيها الشباب والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والمهمشين, وكذلك التكوينات السياسية المختلفة، و التمثيل الجغرافي لكافة المناطق، خاصة تلك التي قالت الباشا أنها مناطق تتميز باهتمامات وخصوصية معينة،
مشيرةً إلى أن اللجنة بقرارها هذا تكون قد ابتعدت عن اختيار النموذج الكبير للمشاركة، والذي سيبدو مؤتمر الحوار فيه كمهرجان استعراضي شكلي بلا محتوى أو نتيجة ملموسة على حد تعبيرها.
يذكر أن اليمن تعيش فترة انتقالية سياسية إثر مغادرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح للسلطة في فبراير2012، بناءً على ما أقرته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لحل الأزمة السياسية في اليمن على خلفية الاحتجاجات الشعبية، حيث أقرت المبادرة انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيسًا توافقيًا لليمن لمدة عامين، يتخللهما إصلاحات مختلفة، منها عقد مؤتمر شامل للحوار الوطني، يؤسس لمرحلة سياسية جديدة في اليمن، بما يضمن انتقال السلطة سلميًا وفق دستور جديد، يشكل ملامحه مؤتمرٌ للحوار الوطني الشامل في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر