أكد يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية، أن هناك ثلاث أولويات ستعمل الحكومة المقبلة على تنفيذها، تشمل النهوض بالوضع الاقتصادي، ومعالجة الوضع الاجتماعي، وإحياء أمل العيش الكريم لدى التونسيين، وإنجاح المسار السياسي عبر انتخاب رئيس جديد لهيئة الانتخابات، وإرساء محكمة دستورية، مع الحفاظ على موعد إجراء انتخابات 2019.
وأضاف الشاهد خلال جلسة برلمانية، حضرها فقط 163 نائبا برلمانيا من إجمالي 217 نائبا، وخصصت للتصويت على منح الثقة للأعضاء المقترحين ضمن التعديل الوزاري الأخير، أن مواصلة الحرب على الفساد «ستكون واحدة من عناوين الفترة المقبلة»، مشددا في كلمته أمام أعضاء البرلمان على أن «الديمقراطية والفساد لا يمكن أن يتعايشا... والحرب على الفساد ستكون طويلة المدى وصعبة» على حد تعبيره.
وتميزت الجلسة البرلمانية بمقاطعة نواب حزب النداء، وعدم حضورهم أمس كلمة رئيس الحكومة، والامتناع عن حضور النقاشات والتصويت لفائدة الأعضاء الجدد، في حين شاركت «الجبهة الشعبية» في الجلسة البرلمانية، ووجهت انتقادات لاذعة لحكومة الشاهد. أما حركة النهضة فقد عبرت كما كان متوقعا عن دعمها الكامل للتعديل الوزاري، وأعلنت نيتها التصويت لصالحه.
وفي معرض حديثه عن التعديل الوزاري الذي أطاح بنصف الحكومة، أكد الشاهد أنه قرر المرور إلى التنفيذ لأن الوضع «لا يجب أن يستمر على ما هو عليه»، موضحا أنه قام بهذا التعديل في احترام تام لمقتضيات الدستور، ومارس الصلاحيات التي يمنحها له دستور 2014. وأن هناك أطرافا «تبدو وكأنها مساندة للحكومة، والحال أنها تحاربها وينطبق عليها المثل القائل: قلوبهم معك وسيوفهم عليك».
وبخصوص الانتقادات التي وجهت إليه لكونه لم يستشر رئيس الجمهورية في التعديل الوزاري، أوضح الشاهد أن الدستور لا يلزمه بالاستشارة إلا عند إجراء تغيير في حقيبتي الدفاع والخارجية. نافيا أن يكون تعمد الإساءة إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، حسبما تداولته بعض الصحف.
وردا على الذين وصفوا التعديل الوزاري بأنه «انقلاب»، قال الشاهد إنه «تصريح غير مسؤول. نحن ديمقراطيون ولا نحب الانقلابات لا الناعمة ولا الخشنة». معترفا في المقابل بأن حكومته «لم تجد الدعم السياسي الضروري، بل اشتغلت في مناخ طغت عليه الصراعات السياسية التي لا تنفع المواطن، وشوشت على عملها، ومثلت قوة جذب إلى الوراء... كما أن الضجيج والإرباك السياسي الذي عشناه منذ سنتين أثّر على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي... والحكومة كانت تحت قصف عشوائي من نيران صديقة، كانت أقوى بكثير من النيران الأخرى».
وكما كان متوقعا فقد كانت جلسة البرلمان أمس ساخنة، بسبب وجود تحفظات من قبل أحزاب المعارضة بخصوص عدد من الأسماء المرشحة لتولي حقائب وزارية، واعتبرها مراقبون للشأن السياسي المحلي «امتحانا للشاهد»، لكنهم أكدوا في المقابل أن التعديل الوزاري الحالي سيحصل على الأغلبية المطلقة المطلوبة (109 أصوات). لكن هذا التصويت لن يحل الخلاف السياسي مع أكثر من طرف سياسي، وفي مقدمة هذه الأطراف قادة وأتباع نداء تونس، الذي يتزعمه حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الحالي.
وخلال جلسة أمس وجه الشاهد نداء لكل الفاعلين السياسيين لإعطاء الأولوية القصوى للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، وتنقية المناخ السياسي وتهيئته للانتخابات، قائلا «إن التاريخ سيحاسبنا جميعا، ولن يرحم كل من يحاول تعطيل تركيز المؤسسات الدستورية»، مشددا على أنه «لا بد من انتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في أقرب وقت، إضافة إلى ضرورة استكمال تركيز المحكمة الدستورية».
وحول مقاطعة حزب النداء لجلسة منح الثقة للحكومة أمس، قال سفيان طوبال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النداء، إن المقاطعة «جاءت على خلفية مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة لنشاطها على مرأى ومسمع من الحكومة، رغم إنهاء عملها من قبل البرلمان عبر التصويت». معتبرا أن غياب نواب حزب النداء لن يغير شيئا في نتائج التصويت لصالح الحكومة، ومشددا على أن التعديل الوزاري «يمثل محاولة انقلابية على نتائج انتخابات 2014، بقيادة حركة النهضة».
ورغم اعتراف المعارضة بصعوبة مهمتها في الإطاحة بحكومة الشاهد، أو منع حصولها على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان، فقد اعتبر قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري، أن عدم منح الثقة للأعضاء الجدد لحكومة الشاهد يجعل الحكومة السابقة قائمة الذات، إلى حين إجراء تعديل وزاري جديد، حسب تعبيره.
بدوره توقع سهيل العلويني، النائب عن كتلة الائتلاف الوطني الداعمة للشاهد، حصول الحكومة على نحو 125 صوتا على الأقل، في حين أنها تحتاج فقد لـ109 أصوات حتى تتمكن من ضمان الأغلبية المطلقة.
وبخصوص السيناريوهات المرتبطة بإجراءات منح الثقة لأعضاء الحكومة الجدد، أعربت عدة أحزاب سياسية عبر ممثليها في البرلمان رفضها التصويت لصالح هذا التعديل، وتشمل قائمة الرافضين كتلة حزب النداء بـ51 صوتا، وكتلة الجبهة الشعبية (تحالف يساري) الممثلة بـ15 صوتا، والكتلة الديمقراطية (توجه قومي) التي تضم 12 نائبا في البرلمان، بالإضافة إلى «كتلة الولاء للوطن»، التي تضم 11 صوتا، علاوة على صوت النائب فيصل التبيني، الممثل لحزب صوت الفلاحين، ليصل بذلك العدد الإجمالي للأصوات التي أعلنت بصفة حاسمة رفضها منح الثقة لحكومة الشاهد نحو 90 صوتا من إجمالي 217 نائبا في البرلمان.
لكن في الجانب المقابل، تحظى حكومة الشاهد بدعم واضح من قبل حركة النهضة بـ68 صوتا، وكتلة الائتلاف الوطني التي تضم 40 نائبا. علاوة على 14 نائبا يمثلون «حركة مشروع تونس»، التي يتزعمها محسن مرزوق، ليصبح بذلك عدد الداعمين للتعديل الوزاري وحكومة الشاهد في حدود 122 صوتا كحد أدنى؛ لكنها تأمل في اجتذاب عدد أكبر من الأصوات البرلمانية المستقلة، ليصل عدد الأصوات المصوتة بالإيجاب إلى نحو 130 صوتا، وهو ما يجعل الحكومة تحظى بعدد إضافي من الأصوات، يفوق بكثير الأغلبية المطلقة، المقدرة دستوريا بـ109 أصوات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر