مراكش ـ وكالات
رغم الاحتجاجات الشعبية على حجم ميزانية القصر الملكي، وافق البرلمان عليها بالإجماع، مما أثار الكثير من الجدل حول التناقض بين مطالبة الحكومة للشعب بالتقشف وبين بذخ القصر، كما أضحى مبدأ الفصل بين السلطة والثروة على المحك.
بينما اشتد النقاش حول بنود معينة من هذا القانون، حظيت ميزانية القصر الملكي بإجماع الأغلبية والمعارضة على السواء. وافق مجلس النواب المغربي يوم (25 نوفمبر/تشرين الثاني) بالأغلبية على أول قانون مالي لحكومة عبد الإله بنكيران. وبينما كان قد اشتد النقاش حول بنود معينة من هذا القانون، حظيت ميزانية القصر الملكي بإجماع الأغلبية والمعارضة على السواء.
أسبوعا واحدا قبل ذلك كانت الشرطة قد فرقت بالقوة وقفة احتجاجية حاول نشطاء تنظيمها أمام مقر البرلمان وذلك ضد ما يعتبرونه "إفراطا" في الاعتمادات المالية المخصصة للقصر، رغم ظروف الأزمة التي تعيشها البلاد. لم يلب دعوة التظاهر التي أطلقها شباب من حركة 20 فبراير سوى قلة قليلة من نشطاء اليسار المعارض. لكن المبادرة كشفت "سقوط طابو من طابوهات (محَرَّمات) الماضي"، على حد تعبير فؤاد عبد المومني، الناشط اليساري والخبير الاقتصادي.
في يونيو الماضي دعا عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، المواطنين إلى تفهم الزيادة التي قررتها الحكومة في أسعار المحروقات. عندما قدم مشروع قانون المالية خاض وزراؤه نقاشات حادة مع نقابة رجال الأعمال، حول المساهمات التضامنية التي يفرضها القانون على الشركات الغنية، للمساهمة في تمويل نظام التغطية الصحية للفقراء.
لذلك حينما أعلنت الحكومة عن حجم ميزانية القصر لسنة 2013، أي ما يفوق 2 مليار و500 مليون درهم، استغربت أصوات إعلامية عدم تقليص ميزانية القصر مراعاة لظروف الأزمة وإكراهات التضامن.
في افتتاحية بعنوان "كلفة المَلَكية" يقول علي أنوزلا، مدير موقع "لكم" الإخباري " في الوقت الذي يدعو فيه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران المغاربة إلى شد الحزام ويفرض عليهم زيادات تمس قوتهم اليومي، وفي الوقت الذي يعيش فيه الاقتصاد المغربي حالة من الركود تنذر بأزمة خانقة مقبلة، كان ينتظر من الملك أن يعطي إشارة ولو رمزية بخصوص تقليص ميزانية القصر حتى يشعر المواطن الذي لا يجد قوت يومه (...) بروح التضامن التي تسود المجتمعات في أوقات الأزمات العصيبة."
أحزاب السلطة والمعارضة وافقت بالأجماع على ميزانية القصر
يسجل فؤاد عبد المومني نفس المفارقة. "ميزانية القصر كبيرة جدا، خاصة عندما نستحضر أن الرئيس التونسي احتفظ بأقل من 200 ألف يورو كأجر سنوي، وأن الرئيس المصري احتفظ فقط بأجرته كأستاذ جامعي، فضلا عن خفض الرئيس الفرنسي والعاهل الاسباني لأجريهما بسبب الأزمة. في هذا السياق الإقليمي والدولي تصبح بلادنا نشازا،على الأقل في ما يتعلق بالتعبير الرمزي عن الاستعداد للتأقلم مع ظروف الأزمة وجودة الحكامة."
ساهمت افتتاحية موقع "لكم" حول "كلفة الملكية" في فتح نقاش حول هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت، خاصة وسط الشباب النشطاء سياسيا. في هذا السياق ظهرت، لأول مرة، دعوة للاحتجاج في الشارع على حجم ميزانية القصر.
يعتبر محمد مدني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن هذا التطور هو "استمرار لما شهده المجتمع المغربي مع الربيع العربي وحركة 20 فبراير إذ برزت نقاشات حول مواضيع كانت تعتبر من الطابوهات. من أبرز تلك الطابوهات ما يتعلق بالجمع بين السلطة والثروة. النقاش حول ميزانية القصر يندرج في سياق هذا الشعار العام، المطالب بفصل السلطة عن الثروة واستمرار طبيعي له."
داخل البرلمان المغربي كانت الصورة معكوسة تماما. باستثناء نائب برلماني واحد قال للصحافة إنه أبدى ملاحظات على طريقة عرض مشروع ميزانية القصر على النواب، صوت برلمانيو الأغلبية والمعارضة بالإجماع لصالح هذا المشروع.
يقول عبد العزيز العماري، النائب عن فريق العدالة والتنمية وعضو لجنة المالية بمجلس النواب، "كان النقاش هادئا ومسؤولا داخل لجنة المالية بمجلس النواب حول مشروع قانون المالية الجديد. من الطبيعي أن يتأكد داخل هذه اللجنة الإجماع الحاصل حول ثوابت الأمة ومنها طبعا المؤسسة الملكية. لذلك دائما يكون التصويت على ميزانية القصر وميزانية الجيش بالإجماع. هذا أمر عادي."
بخصوص تصريح نائب برلماني للصحافة، حول ملاحظاته على طريقة عرض هذه الميزانية على النواب، يقول العماري "بالفعل تدخل أحد النواب للتعبير عن هذه الملاحظة، وعبرت الحكومة عن أخذها بعين الاعتبار، لكنه لم يتطرق أبدا إلى حجم الميزانية ولم يطالب بتقليصها."
من جهته يصف رشيد الطالبي علمي، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار (معارضة) وعضو لجنة المالية بمجلس النواب، هذا النقاش بكونه "حقا أريد به باطل". يقول الطالبي علمي "دورنا في مجلس النواب هو مناقشة السياسة الاقتصادية التي ينطوي عليها قانون المالية، والتوجهات العامة للحكومة وسياستها الضريبية والتوزيع العادل للأغلفة المالية بين القطاعات، وليس تقليص ميزانية هذه المؤسسة أو تلك."
بخصوص ميزانية القصر يضيف المتحدث نفسه "المؤسسة الملكية لها أدوار هامة بحكم الدستور والتاريخ، تعرض ميزانيتها بكل شفافية ويصادق عليها بشكل طبيعي. لأن هاجسنا هو النتائج المنتظرة من كل مؤسسة في مختلف السياسات العمومية."
أعاد دستور الفاتح من يوليو/تموز 2011 توزيع السلطة التنفيذية بين المؤسسة الملكية والحكومة، مانحا الأخيرة صلاحيات جديدة، ومحملا إياها مسؤولية تسيير الإدارة العمومية. غير أن هذا التوزيع الجديد لم ينسحب على ميزانية القصر، فبقي حجمها مرتفعا مقارنة مع ميزانيات العديد من القطاعات الحكومية.
أحد مطالب حركة 20 فبرائر كانت عدم الجمع بين السلطة والثروة
في ينبه فؤاد عبد المومني إلى هذه المفارقة قائلا "حجم ميزانية القصر رسالة واضحة تؤكد أن تغيير الدستور لم يغير في الواقع وظائف المؤسستين الملكية والحكومية. بدل أن تتعزز أجهزة الحكومة بإمكانيات القصر المادية والبشرية تماشيا مع صلاحياتها الجديدة، يقع العكس. هذا ينم عن استمرار الملك في ممارسة الأدوار التي كان يمارسها قبل تغيير الدستور."
في تعليقه على التفاوت الكبير في التقديرات بين الإجماع البرلماني؛ أغلبية ومعارضة، وبين لأصوات المعارضة في الشارع، يقول محمد مدني "دور البرلمان ينبني عموما على النقد والاقتراح، لكن هناك قانون عرفي غير مكتوب يمنع البرلمانيين من الاقتراب من بعض المواضيع، مثل ميزانية القصر وتعديل الدستور. قانونيا لا شيء يمنع البرلمانيين من مناقشة ميزانية القصر أو المبادرة بتعديل الدستور، لكن العرف يجعل البرلمانيين يعتبرون هذه المجالات طابوهات. هذا من أسباب عدم الاهتمام البالغ من لدن المواطنين بالعمل البرلماني."
من جهته ينبه عبد العزيز العماري إلى أن النواب البرلمانيين إنما يعبرون عن إرادة الشعب، و"الشعب هو الذي منح ثقته للأحزاب الموجودة في البرلمان، ومن كان له رأي آخر فليتقدم للانتخابات ويطلب ثقة الناخبين."
الأحزاب المساندة لحركة 20 فبراير في أغلبيتها أحزاب يسارية صغيرة تقاطع الانتخابات، وحين شارك بعض رموزها في انتخابات 2007 لم يفوزوا بأي مقعد. أما جماعة العدل والإحسان الإسلامية المعارضة فتواصل مقاطعتها للانتخابات رغم انسحابها من دعم حركة 20 فبراير قبل حوالي سنة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر