الدار البيضاء : جميلة عمر
تخلى وزير العدل والحريات العامة، مصطفى الرميد، عن "الفيلا" التي كان قد تأجرها في حي الرياض في الرباط، وذلك قبل أيام من الانتخابات التشريعية، بعد تعيينه وزيرا في الحكومة الإسلامية، كما سيخلع الرميد جبة العدل التي لبسها خمسة سنوات، ليلبس من جديد جبته السوداء التي عرف بها منذ أكثر من 20 عامًا، الجبة التي صال بها داخل قاعات محاكم المغرب ، مرافعا بأعلى صوت عن موكليه ، ومناضلا من أجل الكرامة والحرية
وترعرع الرميد بين حقول دكالة التابعة لمدينة الجديدة ، حيث ولد في قبيلة أولاد سي بوحيا في سيدي بنور التابعة لمنطقة دكالة، وبهذه القبيلة تلقى أول خطواته في مجال التحصيل الدراسي، لينتقل بعد ذلك إلى الدار البيضاء بحي الفرح حيث آواه عمه وزوج خالته في نفس الوقت ليدخل سنة 1970 ثانوية ابن مسيك التي تسمى اليوم ثانوية جمال الدين المهياوي، حيث تم توقيفه عن الدراسة لمرتين بسبب صراعاته مع التيار الماركسي، وفي سن مبكر اكتشف الرميد دروب ومسالك العمل الدعوي في صفوف الشبيبة الإسلامية ما بين 1973 و 1974، عندما كان المغرب يجتاز مرحلة سياسية عصيبة، حيث كانت رسالة وجهها وقتها إلى عبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة سببا في تهميشه وإبعاده عن هذا التنظيم
وشرع الرميد في إمامة المصلين وإلقاء دروس دينية منذ تخرجه من دار الحديث الحسنية إلى حين توقيفه، وأصبح شخصا مرغوبا فيه من قبل تنظيمات أخرى، من بينها جماعة العدل والإحسان التي رفض دعوها له بالانظمام في صفوفها، وذلك تعبيرا منه عن رفضه لتكرار تجربة العمل غير المعترف به، بعد ذلك انتقل إلى مرحلة ممارسة العمل السياسي العلني عندما فتح عبد الكريم الخطيب أبواب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية (حزب العدالة والتنمية حاليا) في وجه العديد من أعضاء الحركة الإسلامية المغربية، وشق هذا الدكالي ذو الجسم الممتلىء والوجه ذي التقاسيم التي توحي بالصرامة، ونضجت تجربته داخل هذا الحزب، جعلاه يتقلد مهام حزبية عديدة إذ أشرف على رئاسة الكتلة النيابية، والفريق النيابي للحزب لولايتين متقطعتين، ثم رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان إحدى ركائز العمل التشريعي بالغرفة الأولى، ورغم انتمائه السياسي ،تابع الرميد مسيرته الدراسية حيث حصل على الإجازة في القانون ودبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، بعد ذلك انتقل إلى مرحلة ممارسة العمل السياسي العلني عندما فتح الراحل عبد الكريم الخطيب أبواب الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية (حزب العدالة والتنمية حاليا) في وجه العديد من أعضاء الحركة الإسلامية المغربية لتقف سفينته عند مهنة المحاماة التي أتقنها بكل كفاءة وجدارة ، بحيث زاول هذه المهنة منذ سنة 1984 ، اشتهر الرجل بمرافعاته في ملفات عديدة ذات طبيعة سياسية وحقوقية ، خاصة من خلال دفاعه ومتابعته لملفات "السلفيين"، والحقوقيين والمتابعين في قضايا النشر والصحافة سطعت نجمه وابرزته في الإعلام، من أبرز مرافعاته دفاعه عن زميله بنكيران حينما كان مديرا لجريدة "التجديد"، وعن رشيد نيني مدير نشر "المساء" الذي قضى عقوبة حبسية.
واشتهر الرميد بمناصرته لمبدأ حرية الصحافة خصوصا مناصرة الحركات الإسلامية، امتدت حتى خارج المغرب. فقد سبق له أن آزر سنة 1990 مناضلي حركة النهضة في تونس، وأسس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان سنة 2006 والذي اشتغل منصب رئيسه إلى غاية تعيينه وزيرا للعدل حيث قرر تقديم استقالته من الرئاسة حفاظا على استقلالية هذا الإطار الحقوقي، وشارك في عدة لقاءات دولية ، كما عين عضوا في المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي. و شارك في عدة مؤتمرات قانونية دولية. شارك بالمنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين، وترأس الهيئة البرلمانية العربية لحقوق الإنسان المنبثقة عن اتحاد البرلمانات العربية الذي يوجد مقره بدمشق بسوريا. ودون أن ننسى فلمصطفى الرميد تجربة في العمل الصحافي، إذ سبق أن أصدر سنة 1990 جريدة السبيل، ليؤسس بعد منعها، جريدة الصحوة التي أدمجت إلى جانب الراية في جريدة التجديد.
وخلال سنة 2012 تم تعيينه وزيرا للعدل ضمن حكومة عبد الإله بنكيران، وبتوليه حقيبة العدل ، حمل على عاتقه على أن يكون رجل قانون مدافعا عن هذا البيت ، مقسما على تطهيره من الفساد ، وجعله بالفعل أحدى الركائز الأساسية التي تعتمد عليها تنمية الوطن، وبتحمله لحقيبة وزارة العدل والحريات، يكون الرميد الرجل "المشاكس" والأب لثلاثة ذكور، وثلاث إناث، يدخل تجربة جديدة في مساره المهني، لكنه اليوم ومع اقتراب الانتخابات التشريعية ، جمع الرميد حقائبه من أجل العودة وبصفة نهائية إلى مسكنه بمدينة الدار البيضاء، والذي كان قد تركه قبل خمس سنوات ليكون قريبا من الوزارة وأنشطته الحكومية في الرباط، سيعود إلى مكتبه الذي يعج بالمتقاضين الذين يلتمسون منه مؤازرة ذويهم ، أو ملفاتهم العالقة بين رفوف المحكمة .