دبي - المغرب اليوم
يزداد التعداد السكاني للمدن بشكل مستمر وسريع بمختلف دول العالم، ومن ضمنها بالطبع دول مجلس التعاون الخليجي، وللأسف فإن لهذا النمو السكاني عدة آثار سلبية منها الزيادة في استهلاك الطاقة، والازدحام المروري، وارتفاع في معدلات تلوث الهواء والماء، مما يُلحق أضرار بيئية وصحية بسكان المدن، كما يترتب على هذه الزيادة السكانية زيادة في الإنفاق الحكومي بمختلف المجالات منها النقل والصحة والأمن والخدمات البلدية.
ولذلك فقد كثر تداول مصطلح المدن الذكية (Smart Cities) في الآونة الأخيرة، لما تقدمه هذه المدن من حلول للمشاكل الناجمة عن ازدياد عدد سكان المدن، ومساهمتها في تقليص الإنفاق الحكومي، وقد تمكنت بعض الدول من امتلاك مدن ذكية عبر إحدى الطريقتين، إما بواسطة تصميم وبناء مدن ذكية جديدة من الألف إلى الياء، أو عبر تحويل تدريجي للمدن التقليدية إلى ذكية.
وتتباين الفوائد التي تقدمها المدن الذكية من دولةٍ لأخرى، ومن مدينةٍ لأخرى في الدولة الواحدة، إلا أن جميع المدن الذكية تشترك في إحتياجها لبنية أساسية قوية في مجال تقنية المعلومات والاتصالات (Information and Communications Technology)، وسن تشريعات وقوانين، وخلق تنظيم وهيكلية عمل إداري، تُسهّل وتتوافق مع آلية عمل المدن الذكية، ومن المهم تكامل الأنظمة الموجودة بالمدينة الذكية الواحدة مع بعضها البعض، ولضمان نجاح عمل المدن الذكية في قيامها بمهامها على أتم وجه، يجب ضمان المشاركة الفاعلة للأفراد، وقدرتهم على تقديم الملاحظات والمقترحات، وإبراز حاجاتهم، وتمكينهم من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها المدن الذكية. ولذلك فمن المهم جداً أن يمتلك المستخدمين للمهارات اللازمة ومنها بالطبع مهارات الحاسوب والقدرة على التعامل مع الهاتف الذكي(Smartphone) والحاسوب اللوحي (Tablet Computer)، والحصول على التدريب اللازم.
وننبه الباحثين إلى وجود نماذج جميلة لمدنٍ ذكية نجحت في توظيف تكنولوجيا المعلومات والإتصالات (ICT)، والاستفادة من إنترنت الأشياء (Internet of Things) وهي عبارة عن شبكة تربط مكونات المدينة من أفراد ومؤسسات حكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وتحتوي على أجهزة حاسوب من ضمنها أجهزة استشعار وبرمجيات، تساعد على جمع المعلومات في الوقت الفعلي وإرسالها إلى أنظمة تحكم مركزية، مما يسمح بإدارة جملة من الأمور، منها حركة المرور وتدفق حركة السير، ومواقف السيارات، والتعامل مع المخلفات ومكبات النفايات، واستهلاك الطاقة والحد من استنزافها، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين كالصرف الصحي والرعاية الصحية، والمساهمة في مكافحة الجريمة من خلال تنبيه أجهزة الشرطة، وإعلامهم عن الجرائم التي تحصل في الشوارع والطرقات مباشرةً، وكذلك تزويد المعنيين بالبيئة بالمعلومات الخاصة بمعدلات التلوث أولاً بأول.
وعند استعراض بعض الفوائد التي حصلت عليها الدول لامتلكها مدنٍ ذكية، نجد أن سنغافورة على سبيل المثال قد حصدت على عدة فوائد من نظام رقمي، له أجهزة استشعار وكاميرات، كرفع كفاءة الحركة المرورية، والقدرة على تغيير مسار السيارات لتفادي الاختناقات المرورية، وكذلك ساعد هذا النظام في رفع مستوى المحافظة على الأمن بمختلف الأحياء. أما العاصمة الدنماركية كوبنهاجن فقد قامت بربط مصابيح ذكية، بواسطة شبكة، وبرجمتها والتحكم التلقائي بدرجة قوة أضاءتها وإخفاتها، مما ساهم في ترشيد استخدام الطاقة، والمساعدة على خفض أعداد حوادث المرور، ومعدلات الجريمة. وبشكل عام تسعى كوبنهاجن إلى رفع كفاءة منظومة النقل، والحد من التلوث، وتقليص استخدام الوقود الأحفوري، الذي يساهم في رفع نسب تلوث الهواء، ويتسبب أيضاً في حدوث الاحتباس الحراري.
وقد قامت شركة بانسونيك بتصميم مدينة فوجيساوا اليابانية التي تتميز بمبانيها الصديقة للبيئة والمُنتجة للطاقة النظيفة، فجميع المنازل بهذه المدينة مزودة ببطاريات شمسية ومولدات كهربائية تعمل بالغاز الطبيعي، وترتبط هذه المنازل بشبكة لتسهيل عملية النقل التلقائي للطاقة فيما بينها، وذلك تحسباً لوقوع كوارث طبيعية أو انقطاع التيار الكهربائي المركزي، ولهذا فإن مدينة فوجيساوا تستطيع الاكتفاء ذاتياً بالطاقة لمدة ثلاثة أيام متواصلة، وللحد من التلوث الناتج عن استخدام السيارات التي تعمل بالبنزين أوالديزل، فقد تم نشر محطات تزويد السيارات بالطاقة الكهربائية.
وإجمالاً فإن المدن الذكية تساهم في تحسين الجوانب الاقتصادية ورفع مستوى الخدمات، وتوفر للسكان بيئة صحية صديقة للبيئة، ولذلك فهي عامل مساهم في تنعم الأجيال القادمة بحياة أفضل، كما أن وجود العديد من التجارب الناجحة يعتبر عامل محفز بأن تلحق دول المنطقة بالركب، وبالرغم من وجود كلفة مادية كبيرة في البداية عند تشييد هذه المدن، إلا أن عوائد هذا الاستثمار التي ستعود لاحقاً مجزية جداً.
قد يهمك ايضا: