القاهرة - المغرب اليوم
الحوار في مسلسلاتنا التلفزيونية لا تحمل كل المعاني المقصودة..فالاخلاقيات والاعتبارات افرغت من الالفاظ المنطوقة قدرا كبيرا من المعنى..فالبليغ حقا هو الذي يستطيع التعبير عن افكاره، ولكني اقول البليغ ولا اقول الصادق ولهذا قد يكون الصمت اكثر بلاغة من الكلام..ولهذا ايضا فالحركة اصدق انباء من الكلام..اذا لا نستطيع ان نغطي بالنفاق هذه الحركة، فبالقدر الذي نستطيع به اخفاء الحقيقة بالنفاق..ولهذا فالتلفزيون هو الذي يستطيع حذف الكلام وابراز الحركة وهو بذلك في التعبير عن الحقيقة اكثر صدقا واقل نفاقا ،وقد يكون مهما ان نسكت ونصمت حتى ننسى الالفاظ والكلمات المسيئة للحياء المستعملة في الحوار على ألسنة الممثلين والتي فقدت جمالها وبهاءها من فرط الاستعمال، وقد يكون مهما البحث عن لغة جديدة للحوار التلفزيوني لكي نصل مباشرة الى قلب المتفرج او المشاهد.. ومن هذا المنطلق..كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ادب الحوار في مسلسلاتنا التلفزيونية التي شاهدناها عبر فضائيات مختلفة ومدى تجاوب النقاد والمشاهدين سلبا وايجابا مع الالفاظ والمفردات التي تفوه بها الممثلون طبقا لما هو مرسوم في النص الذي كتبه المؤلف او مابناه السيناريست من اختلاف عن النص الادبي لانه كما هو معلوم ان تأليف الرواية عمل فني يختلف عن تاليف السيناريو وعلى كل اديب يريد أن يكتب للتلفزيون ان يدرك تمام الادراك ان للتلفزيون لغته الخاصة..وانه يجب حين يكتب ان يفكر بالصور لا بالكلمات..كذلك يجب ان تتوفر لديه في العمل التلفزيوني الرغبة المخلصة..فان لها اهمية خاصة بالنسبة لتقدمه الفني..وفي هذا المجال الحيوي ينبغي دائما وبصورة واعية ان ندرك الفرق الواضح بين الرواية التي يكتبها الاديب ليطالعها الناس، وبين السيناريو الذي يضعه السيناريست..فكثيرا ما رأينا ادباء كبارا قدموا اعمالهم للتلفزيون ولم يتصدوا هم لمعالجة السيناريو تاركين تلك المعالجة لغير القادرين، أو عكفوا على وضع السيناريو وهم يجهلون تمام الجهل التكنيك الخاص به فاقبلوا على كتابته وهم يفكرون بالكلمات لا بالصور.. وتكون النتيجة ان تخرج الاعمال مختلفة عن النصوص الاصلية او فاقدة الارتكاز على العنصر الجوهري في الفن التلفزيوني وهو الصورة المثيرة التي تعتبر الخاصية الاساسية في حرفية السيناريو.. وقليل هم الأدباء الذين تقترب كتاباتهم من روح السيناريو الصحيح..ومن هنا تتضح اهمية السيناريو في العمل الفني ويتضح ايضا اختلاف السيناريو عن النص الادبي..كما يظهر اتجاه الاعمال التلفزيونية نحو تدعيم تشكيلها لعناصرها الخاصة بها ، وباعتبارها فنا يختلف عن فن الادب..ولذلك نجد ولوج بعض الكلمات والالفاظ الغريبة في الحوار حسب ما يقتنع السيناريست خروجا عن النص الاصلي لاثارة التشويق وتحريك الجمود في الحوار المتبادل بين الممثلين..ولذلك من الاهمية بمكان ان يتجه التفكير منذ الوهلة الأولى في العمل الفني الى البحث عن الشخصية النموذجية..اي الشخصية التي يرى فيها قطاع كبير من الناس خصائصه وتكوينه واحلامه وارادته ولغته الخاصة …. وهنا نجد ضرورة البدء من هذه النقطة في العمل التلفزيوني حيث نرى انه لا بد لبناء سيناريو جيد من الاهتداء الى شخصية تحمل التكوين الذي يقترب من تكوين قطاع كبير من المشاهدين كشرط جوهري في تشكيل نص السيناريو.. فانه يستجيب بذلك التفكير للواقعية كمذهب فني في التلفزيون..بالاضافة الى ان رواد التلفزيون يبلغ عددهم الملايين الذين ينبغي ان يشاهدوا انفسهم وحياتهم واحلامهم وما يجوس بأعماق نفوسهم صورا مجسمة على الشاشة الصغيرة..واغلب المشاهد التي شاهدناها في بعض المسلسلات الاخيرة التي استهجنها البعض واستنكرها ألم تكن واقعية ومن صميم الفضائح والقصص الحقيقية التي حدثت في مجتمعاتنا في ظل الديمقراطية المستوردة والحرية الفاحشة في سنوات الاحتلال البغيض للعراق.. وهكذا ان العمل الفني الواقعي هو العمل الذي يشارك في تمثيل ادواره المشاهدون وهم جالسون في بيوتهم. ومن هذا المنطلق ان الحوار في الاعمال الفنية اثرى امكانية التلفزيون فوسع مجال تاثيره في الناس وهذه مسألة مؤكدة..ولكن التلفزيون كفن هو فن الصور المشوقة المثيرة قبل ان يكون اي شيء آخر….والكلمات في العمل التلفزيوني تلعب دورا مساعدا في التاثير..ولتوضيح ذلك..يذكر الكثيرون منا انه في وقت معين يمكن أن توجد عدة قضايا اجتماعية مترابطة في محيط واحد..وبين تلك القضايا ينبغي أن نبحث دائما عن القضية الرئيسية التي يترتب عليها وجود القضايا الاخرى..ذلك لاننا حين نواجه تلك القضية الرئيسية ونفهمها سوف نفهم كل ما تولد عنها..ونزن اهميتها..كذلك نحن نرى في كل عمل فني جوهرا اساسيا يعتبر وجوده شرطا لوجود باقي الجوانب فيه. واذا عدنا الى الجدال الساخن المتعلق باستخدام الالفاظ المخدشة للحياء وللمشاعر الانسانية البعيدة عن الادب في الحوار ينبغي علينا تعريف الادب الذي يتباين ويختلف باختلاف المجتمعات والمناهج الفكرية والثقافية والعادات والتقاليد.. ومما يقال من هذه التعريفات..ان الادب المقصود يجمع كل الآثار اللغوية التي تستطيع بفضل صياغتها الفنية ان تحرك داخل نفوسنا الانفعالات العاطفية..وان توقظ شعورنا بالجمال..ومن جهة أخرى فالادب هو صياغة لغوية فنية لتجربة بشرية وهو بالتالي نقد للحياة..حياة الانسان خاصة
وعامة..وحياة المجتمع والبشرية باسرها..والذي يعنينا في موضوعنا هذا ان الثقافة الادبية تستخدم اللغة ومفرداتها وان الاديب او الكاتب الفنان هو الذي يحسن التعبير الفني بواسطة لغة خاصة به مما تجبره على خلق لغة حديثة وتكنيك حديث تتلاءم مع الضرورات دائمة التجدد لكل ماهو اجتماعي او ميتافيزيقي. ولا يفوتنا في هذا الصدد ان نوضح اختلاف اشعاع الكلمة الواحدة ومدلولها والايحاء الذي تفيض به في مجال الحوارات عبر الاعمال الفنية.. يختلف ويتباين حسب مجال تلك الكلمة واستعمالها..ووقعها يختلف وايحاءها يختلف بحسب طبيعة كل كاتب وان لكل عمل تلفزيوني فيضا وبناء وتجسيما يختلف عنه في اعمال اخرى..وان لكل عصر لغته العامة كما ان لكل كاتب في كل عصر لغته الفنية الخاصة به التي يتميز هو بها من دون غيره..ولزمن الهبوط والانحدار الثقافي لغته الخاصة وكتابه الذين لهم نهجهم ومفرداتهم وقواعد سلوكيتهم المرتبطة بالمرحلة والبيئة التي انجبتهم.. وبعد كل هذه التفاصيل التي تمثل تبعة هامة تقع على عاتق المخرج في الاعمال التلفزيونية باعتباره صانعا مسؤولا عن تنفيذ النص الفني فلا بد ان يكون فنه في متناول الناس جميعا..ولتحقيق هذا ينبغي أن تتوفر للعمل الفني البساطة وليست السذاجة الفنية..فالاولى شيء غير الثانية بالطبع…. واذا كان اول شيء ينبغي ان نتعلمه ان يكون فننا التلفزيوني قريبا من افهام الجميع فلا بد ان يكون فنا سهلا وواضحا وبلغة مقنعة عبر حوار ملتزم واع يمس قضايا وحياة جماهير المشاهدين..كذلك لابد للعمل التلفزيوني مسلسلات وبرامج مختلفة كي يحقق نجاحه ان يصل الى قلوب الناس من المشاهدين في بساطة اسرة..ولهذا يجب ان يزخر بالاحداث والافكار التي تستطيع تحريك العواطف والمشاعر الانسانية..وعلى كل من يشتغل في العمل التلفزيوني ان ينفق الجهد المخلص في احكام الخطوط الرئيسية لعمله وان للتلفزيون خاصية هامة للغاية هي خاصية التحديد..شانه شان الرسام التشكيلي الذي لابد ان يرسم لوحة فنية زاخرة بافكار انسانية راقية ..ويوزع داخلها بريشته الرقيقة تلك الازاهير والرموز الحياتية الدقيقة ويغطيها بالألوان الزاهية..ويصبح الاهمال فيها عورة فنية تشوه جمالها الفني ويصبح من المستحيل على الفنان ان يصلح تلك العورة او ذاك العيب.. واخيرا وفيما يتعلق بالمسلسلات التلفزيونية نشير إلى اهمية تسجيل التفاصيل الفنية الصغيرة في كتابة السيناريو وضرورة تجنب الحوار المطول الممل والمثبوت في غير مواضعه..فالمشاهد في تلك الحالة يمكن ان يغمض عينيه وهو جالس في بيته امام التلفاز ويسمع ما يقوله الممثلون وعندئذ يفقد فن التلفزيون جاذبيته الخاصة به !
قد يهمك ايضا