القاهرة ـ المغرب اليوم
إن النظرية البنائية للتعلم تؤكد على أهمية بناء المتعلمين ثم إعادة بنائهم للمعاني الخاصة بأفكارهم المتعلقة بالعالم من حولهم. وأن الخبرة تتطلب إثارة لجميع الحواس عند المتعلم حتى يحصل على تعلم ذي معنى. ويمكن وصف البنائية من خلال مثل صيني قديم يحمل أهدافها “أسمع وأنسى”، ” أرى وأتذكر”، “أعمل وأفهم.”
حيث تعد النظرية البنائية في التربية جزءاً من التفكير الجديد الذي ينسب إلى بياجيه، ويعود بجذوره إلى البنائية الشخصية، وكانت ً سببا في ظهور وجوه متعددة للبنائية وهي تحتل مكانة متميزة بين نظريات التعلم الأخرى، واعتبارها طريقة تدريس مثالية في مجالي العلوم والرياضيات بصفة خاصة، والمجالات المعرفية الأخرى بصفة عامة، فهي تركز على أن التعلم عملية تفاعل نشطة يستخدم فيها التلميذ أفكاره السابقة لإدراك معاني التجارب والخبرات الجديدة التي يتعرض لها.
ومن خـلال اسـتقراء أدبيـات التـراث النفـسي والتربـوي لا يوجـد تعريـف محـدد للبنائيـة يحـوي بين ثناياه كل ما يتضمنه المفهوم من معاني أو عمليات نفسية، بل حاول بعض منظـري البنائيـة تعريفهـــا مـــن خـــلال رؤى تعكـــس التيـــار الفكـــري الـــذي ينتمـــون إليـــه ســـواء كـــان تيـــاراً جـــذرياً، أو اجتماعياً، أو ثقافياً، أو نقـدياً،
إلا أن خلاصة تحليل تلك الرؤى تدور حـول تعريـف البنائيـة علـى أنها:
عمليـة إعـادة بنـاء المتعلمـين لمعـاني جديـدة داخـل سـياق معـرفتهم الآتيـة مـع خبـرتهم الـسابقة.
ويتضح من التعريفات السابقة أنها تتفق معظمها في النقاط التالية:
تعتبر البنائية نظرية في التعلم.
يقوم المتعلم فيها ببناء معرفة جديدة.
يعتمد المتعلم على معرفته السابقة الموجودة في بنيته العقلية.
نلاحظ مما سبق أن البنائيــة نظريــة فــي الـتعلم تقــوم علــى بنــاء المـتعلم للمعرفة فـي بنيتـه العقليـة معتمـداً علــى المعرفـة الـسابقة الموجـودة لديـه، حيـث يـتم تكـوين مفـاهيم جديدة أو توسيع مفاهيم قديمة، وتمييز علاقات جديدة.
مبادئ النظرية البنائية
تركز النظرية البنائية على عدد من المبادئ الأساسية:
1- الــتعلم عمليــة وجدانيــة: الـتعلم الجيـد هـو الـذي يهـتم بالجانـب الوجـداني للمـتعلم، فـلا بـد أن يمتـــزج الموقـــف التعليمـــي بمـــشاعر الاســـتثارة، التـــشويق، الفـــضول، الحيـــرة والانبهـــار، فهـــذه المشاعر تجذب المتعلم نحو مادة التعلم.
2- التعلم يحدث بشكل طبيعي: التعلم الطبيعي “غير المصطنع” يأخذ المتعلم إلى طريق التوجه الذاتي للتعلم، حيث يتحكم المتعلم في تعلمه، ويديره، ويقوده ذاتياً.
3- التعلم عملية نشطة: يمارس المتعلم النشاط في معالجته للمعلومات، وتغيير، أو تعديل بيئته العقلية، فيبذل المتعلم جهداً عقليا ليكتشف المعرفة بنفسه.
4- يقود الاتزان لحدوث التعلم: بحيث يوضع المتعلم في موقف يجد فيه بنيته المعرفية الحالية غير مناسبة لتعلم ما يود تعلمه فيشعر بحالة من عدم الاتزان فيحدث تغيراً في “الاسكيما”، أو البنية المعرفية لديه ليستعيد هذا التوازن.
5- التعلم بناء للهوية: إن رؤيتنا للعالم واللغة التي نتحدثها، ومفهومنا عن الذات، وعلاقتنا بالآخرين، وكل هذه الأشياء تشكل هويتنا، فما هذه الهوية إلا نتاج للخبرات التعليمية التي نشارك فيها.
6- يبني المتعلم تعلمه: يقصد بلفظ يبني هنا أن المتعلم يجب أن يتعرف- بمساعدة المعلم- على ما يعرفه بالفعل، ليبني على أساسه المعلومات التي يكتسبها، ويحولها لمعرفة.
7- التعلم عملية بنائية ومستمرة: التعلم عملية إبداعية يقوم فيها المتعلم بتنظيم تراكيبه المعرفية، وتعديلها، بحيث تفضي الخبرات الجديدة لمعنى.
من خلال العرض السابق لمبادئ البنائية نلاحظ الاتفاق على المبادئ التالية:
1- تعد المعرفة السابقة للمتعلم ضرورية لحدوث التعلم الجديد حيث يبني المتعلم خبرته الجديدة في ضوء معرفته السابقة.
2- يبني المتعلم معرفته من خلال عملية التفاوض الاجتماعي مع الآخرين.
3- يبني المتعلم معرفته على أفضل وجه عندما يواجه بموقف أو مهمة أو مشكلة حقيقية.
بيئة الصف البنائية
يتطلب تنفيذ المنهاج التحول من البيئة الصفية الاعتيادية التقليدية إلى البيئة الصفية البنائية توجهات عديدة في تنفيذ منهاج العلوم وتدريسه، بحيث تتم تهيئة بيئة صفية تتسم بالآتي :
1- تقبل استقلالية وذاتية الطالب وتشجيعها، فمن خلال احترام أفكار الطالب وآرائه، وتشجيع التفكير المستقل يساعد المعلمون الطلبة على تحقيق هويتهم الفكرية العقلية.
2- يطرح فيها المعلم أسئلة مفتوحة النهاية ويسمح بمهلة تفكير كافية لتلقي الإجابات أو المقترحات أو التعليقات.
3- تشجع مستويات التفكير العالية، فالمعلم في بيئة الصف البنائية يتحدى عقول الطلبة للوصول إلى ما وراء معرفة الحقائق وحفظ المعلومات.
4- ينشغل فيها الطلبة في الحوار والمناقشات والمناظرات العلمية مع المعلم ومع بعضهم ً بعضا، فالحوار الاجتماعي يساعد الطلبة على تعديل أو تغيير أو تعزيز أفكارهم ومقترحاتهم.
5- تشجع الطلبة على الانخراط والانهماك في الخبرات التي تتحدى الفرضيات من جهة، وتشجع المناقشات من جهة أخرى، إذ أنه عندما يسمح للطلبة لعمل تنبؤات، فإنه غالباً ما يولد الطلبة فرضيات مختلفة حول الظاهرة أو الظواهر الطبيعية.
6- يستخدم فيها الطلبة البيانات الخام والمصادر الأولية والمواد المتفاعلة لتزويد الطلبة بالخبرات بدلاً من استخدام بيانات الآخرين ومعلوماتهم والاعتماد عليها فقط.
من خلال ما سبق نلاحظ أنه إذا أردنا التحول إلى بيئة صفية بنائية لا بد من:
– تقبل الطالب واحترام أفكاره.
– تشجيع المستويات العليا من التفكير.
– تشجيع الطالب على الحوار والمناقشات .
– تحدي تفكير الطالب من خلال الأسئلة مفتوحة النهاية.
النظرية البنائية
مقارنة الصفوف التقليدية والصفوف البنائية
عند إجراء مقارنة بين الصفوف البنائية والصفوف التقليدية يتضح الفرق بينهما كما هو موضح في الجدول التالي:
النظرية البنائية
مما سبق نلاحظ أن الصفوف البنائية تعمل على جعل التعلم أكثر مرونة وتكسب المتعلمين مهارات كالعمل في مجموعات، وتنمي المفاهيم ومهارات التفكير وتسعى إلى إيجاد مناخ ملائم للتعلم.
تصميم التعليم وفقاً للفكر البنائي
لقد تمخض تحليل معالم تصميم التعليم في بلورة العناصر التي تعكس تصميم التعليم وفقاً للفكر البنائي،
أولاً: محتوى التعلم
يخزن في صورة مهام أو مشكلات حقيقية ذات صلة بواقع التلاميذ وحياتهم.
ثانياً: الأهداف التعليمية
تصاغ في صورة أغراض عامة تحدد بصورة إجرائية من خلال التفاوض الاجتماعي بين المعلم والمتعلم، بحيث يتضمن فرضاً عاماً لمهمة التعلم يسعى جميع الطلاب لتحقيقه، ً فضلا عن أغراض ذاتية أو شخصية تخص كل متعلم أو عدة تلاميذ كل على حدة.
ثالثاً: استراتيجيات التدريس
تعتمد على مواجهة الطلاب بموقف مشكل حقيقي في محاولة لإيجاد حلول له وذلك من خلال البحث والتنقيب والتقصي والتفاوض الاجتماعي حول تقويم وتحديد أكثر هذه الحلول فعالية.
رابعاً: الوسائط التعليمية
تركز على استخدام الوسائط المتعددة التفاعلية التي يتم التركيز خلالها على دمج وتوظيف كل من عناصر الصوت والصورة والنص والرسومات البيانية والتوضيحية بما يسمح للمتعلم بالتفاعل والدخول في مسارات متعددة للتعلم.
خامساً: التقويم
حيث لا يقبل البنائيون نمطي التقويم مرجعي المحك ومرجعي المعيار، ويكون الاعتماد على التقويم الحقيقي أو التقويم البديل، والتقويم الذاتي، كما يولي البنائيون دوراً للتقويم التكويني.
سادساً: المتعلم والمعلم البنائي
هناك ثلاثة أدوار مميزة للطالب ( المتعلم البنائي ) وهي:
– الأول : ( المـتعلم النـشط )، The active learner فالمعرفـة والفهـم يكتـسبان بنـشاط، والطالــب المــتعلم ينــاقش ويحــاور، ويطــرح أســئلة، ويــضع فرضــيات تنبئية تفــسيرية، ويستقــصي ويتحــرى علميــاً، ويأخــذ مختلــف وجهــات النظــر بــدلاً مــن الــسماع أو القــراءة أو القيــام بالأعمــال الروتينية الاعتيادية.
– الثاني: ( المتعلم الاجتماعي)، The social learner وفي هذا تبنى المعرفة والفهم اجتماعياً، فالطالب المتعلم لا يبدأ ببناء المعرفة بشكل فردي فحسب، وإنما بشكل اجتماعي عن طريق الحوار والمناقشة والتفاوض الاجتماعي مع الآخرين.
– الثالث: ( المتعلم المبدع )، The creative learner فالمعرفـة والفهـم يبتـدعان ابتـداعاً، فالطلبة المتعلمون يحتاجون لأن يبتدعوا المعرفة، ولا يكفي بافتراض دورهم النشط فقط.
إن المتعلم يلعب دوراً نشطاً في عملية تعلمه، ويمتد نشاطه حتى بعد التعلم لمرحلة تقويم تعلمه ذاتياً، وتأكيداً على ذلك يقول “جان بياجيه: “حتى تفهم لا بد لك أن تكتشف، وتعيد بناء ما تعلمت. ويصبح ذلك متاحاً عندما تؤهل المتعلم للإبداع والإنتاج، وليس التكرار“. في ضوء هذه الكلمات نجد أن البنائية تنظر للمعرفة على أنها تبنى داخل العقل، وتركز على المعرفة القبلية، وهي بذلك ترفض أن يكون المتعلم سلبياً وتسكب في عقله المعلومات ويأتي دوره هو ليكرر ما حفظ.
أما المعلم فيلعب دور المرشد، أو الموجه، أو الميسر ٕ Facilitator وإذا كان التعلم ً قائما على معرفة سابقة لدى المتعلم، فإنه يقع على عاتق المعلم أن يوفر بيئة تعليمية تبرز الاختلاف بين الخبرات الحالية للطلاب والخبرات الجديدة التي يتعرضون لها، أو يمرون بها، وتمثل هذه البيئة تحدياً للمتعلم تدفعه للتعلم وتحثه عليه. ويراعى تخصيص وقت كاف للتعلم. وتعد هذه النقطة من عيوب التعلم البنائي لأن طول الوقت يسمح للطلاب بالتفكير في الخبرات الجديدة بشكل أكثر عمقاً، ً وتأملا، ووضعها في نسق واحد مع الخبرات السابقة.
و تتمثل سمات المعلم البنائي على النحو التالي:
1- يقبل و يشجع ذاتية المتعلم.
2- ينظر للمتعلم على أنه صاحب إرادة.
3- يشجع الاستقصاء، وروح الاستفسار، والتساؤل.
4- يمثل أحد مصادر التعلم، وليس المصدر الواحد.
5- يدعم الفضول الطبيعي لدى المتعلم.
6- يضع في اعتباره طريقة تعلم المتعلم، وكذلك آراءه، واتجاهاته.
7- يشجع الحوارات بين المتعلمين.
8- يدمج المتعلمين في مواقف تعلم حقيقية، وخبرات تتحدى المفاهيم، والمدركات السابقة لديهم،
ويهيئ فرصا لبناء معرفة جديدة وفهم أعمق.
9- يؤكد على الأداء، والفهم عند تقييم التعليم، وينوع سبل التقييم لتناسب كل الممارسات التدريسية.
والخلاصة أن تلك العناصر تعكس التعلم البنائي والتي تمثلت في المحتوى على شكل مهام أو مشكلات، والأهداف التعليمية التي تحدد بصورة إجرائية، والوسائط التعليمية التي تعد مهمة لدمج الطلاب وتفاعلهم، واستراتيجيات التدريس التي تعتمد على البحث والتقصي. وتشمل العناصر دور المتعلم الذي له دور مميز ونشط في العملية التعليمية، والمعلم الذي يتمثل دوره في تيسير التعلم، وتسهيل المعرفة، وتوجيه الطلبة لبنائها.