برلين _ المغرب اليوم
أفاد هوبرتوس هوفمان، باحث ومفكر ألماني يهتم كثيرا بتيمة التسامح الديني، بأن “بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط عليها التركيز على نشر مبادئ التعددية الدينية والتنوع الثقافي والقومي، بغية تكوين أجيال جديدة مقتنعة بأفكار التسامح على مختلف الأصعدة؛ لأن أصل الخلافات الحالية يعود إلى غياب المفاهمات الدينية في المجتمعات الإقليمية”.
وأوضح هوفمان، في حوار أجرته معه هسبريس، أن “العنف الديني مصدره الإيديولوجية السياسية التي تفهم الأديان بشكل مغلوط، حيث يتم خلط الدين بالسياسة، لتترتب عن ذلك تأثيرات مجتمعية كبرى”، داعيا إلى “تشجيع الحوار الذي يعد لغة الإنسانية مهما كانت الفوارق بين المواطنين، بوصفه ركيزة أساسية لإحقاق التسامح والسلم”.
وأبرز المستشار الألماني السابق في البرلمان الأوروبي أنه “من الأفضل صياغة سياسات وطنية تشجع على قيم المواطنة ببلدان المنطقة، بما في ذلك قيمة التسامح، وتخصيص اعتمادات مالية مهمة من أجل أجرأة تلك التوجهات السياسية على أرض الواقع، خاصة بالمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية”.
وإليكم نص الحوار كاملا:
تزايد الاهتمام بترسيخ ثقافة التسامح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال السنوات الأخيرة، في ظل تصاعد وتيرة العنف الديني والسياسي من طرف الجماعات المتشددة التي تقدم مسارات تأويلية مضللة للنصوص الدينية. في نظرك، كيف يمكن تدعيم الاتجاهات المعتدلة الرامية إلى التصدي لنزعات التطرف؟
ينبغي على بلدان المنطقة أن تهتم أكثر بنشر مبادئ التعددية الدينية والتنوع الثقافي والقومي، بغية تكوين أجيال جديدة مقتنعة بأفكار التسامح على مختلف الأصعدة؛ لأن أصل الخلافات الحالية يعود إلى غياب المفاهمات الدينية في المجتمعات الإقليمية، بسبب تحريض بعض التيارات على الكراهية والعنف.
ولتحقيق تلك الغايات، لا بد من تكريس التفاهم الهوياتي والديني والعرقي بين المواطنين؛ ما من شأنه تعزيز لحمة المجتمعات. لقد ركزت الديانات التوحيدية على إيصال رسالة مشتركة إلى المؤمنين، تذهب باتجاه تعزيز التسامح بين الناس وتفادي خطاب الكراهية الذي يخلق التفرقة.
(مقاطعا) حديثك عن الدوافع الملحة لتجاوز خطاب الكراهية يسلط الضوء على نقطة أساسية تتعلق بجدلية الدين والسياسة في المنطقة الإقليمية؛ الأمر الذي ساهم في اتساع رقعة “الصراعات الدينية” التي تحولت إلى نزاعات عسكرية مسلحة في أحايين كثيرة. ما هي منابع العنف الديني في المنطقة؟
أظن أن العنف الديني يأتي من الإيديولوجية السياسية التي تفهم الأديان بشكل مغلوط، حيث يتم خلط الدين بالسياسة، لتترتب عن ذلك تأثيرات مجتمعية كبرى. نحتاج، في واقع الأمر، إلى تشجيع الحوار الذي يعد لغة الإنسانية مهما كانت الفوارق بين المواطنين، بوصفه ركيزة أساسية لإحقاق التسامح والسلم.
تضطلع النظم التربوية والتعليمية بأدوار محورية في صناعة الإنسان، وغرس قيم التربية على المواطنة وممارسات العيش المشترك عند الناشئة. ألا تحتاج أغلب الأنظمة التعليمية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى إصلاحات تربوية “عميقة” لتنمية قيمة التسامح عند المتعلمين؟
صحيح، الجهاز التعليمي يضطلع بأدوار مركزية في المجتمع، خاصة ما يتعلق بتعزيز قيمة التسامح لدى الناشئة التربوية. وفي ظل الواقعين الثقافي والسياسي الحاليين، أرى أنه يجب تدريس الممارسات الفضلى للناشئة وحثها على احترام الأديان والمعتقدات وعدم التفكير بتاتا في استعمال وسائل العنف.
لذلك، من الأفضل صياغة سياسات وطنية تشجع على قيم المواطنة ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك قيمة التسامح، وتخصيص اعتمادات مالية مهمة من أجل أجرأة تلك التوجهات السياسية على أرض الواقع، خاصة بالمؤسسات التعليمية والدينية والثقافية.
يرجع تيار معرفي انتشار خطاب الكراهية بدول المنطقة إلى غياب الإصلاح الديني الحقيقي، حيث يتم الاكتفاء فقط بهيكلة دينية قائمة على أساس نهج تدابير إدارية وبيروقراطية. ما تعليقك على هذا الطرح الفكري؟
أتفق جزئيا مع أطروحة القيام بإصلاح ديني جذري في المنطقة بناء على المؤشرات السياسية الحالية. سندي في ذلك هو أن الأفكار المتداولة في الديانة الإسلامية ببعض المناطق تعود إلى فترات حديثة؛ بينما الأفكار الأصلية للإسلام يمكن استجلاؤها من خلال سلوكات وأقوال الرسول.
تبعا لذلك، على الباحثين العودة إلى جذور الديانة الإسلامية في عهد الرسول لمقارنة الواقع السابق والحالي للدين، خاصة ما يتعلق بسياقات نزول “الجهاد، وغيره من الممارسات. جوهر النقاش برمته ينصب على تطبيق قيم التسامح والسلام الواردة في الإسلام.
ولهذا، ينبغي إعداد سياسات طويلة الأمد من شأنها تغيير القناعات الدينية، وهو ما تطرقت إليه بشكل مفصل في كتبي المنشورة باللغة الإنجليزية؛ ذلك أن الإستراتيجية المفترض تطبيقها على أرض الواقع ترتكز على أعمدة الإنسانية والإبداع والنجاعة. ولا يمكن أن يتأتى ذلك سوى بالحرص على اجتثاث منابع الديكتاتورية والتعصب الراديكالي.
تؤكد في كتابك المعنون بـ”قانون التسامح” أهمية احترام الأديان والثقافات والهويات والأعراق لتفادي النزاعات التي قد تنشب داخل أي دولة كيفما كانت توجهاتها السياسية، لا سيما أن العولمة تشجع على الحوار بين الثقافات. هل يغلب، فعلا، خطاب الكراهية على خطاب المحبة والسلام؟
ركزت في الكتاب على معطى ثقافي عام يرتبط بأهمية تعزيز التنوع الفكري والسياسي والهوياتي في عالمنا المعاصر، حتى نتفادى سوء الفهم الذي يحصل بين الأفراد والجماعات والبلدان حيال المعتقدات. ينبغي دوما النظر إلى ما يوحدنا، عوض التركيز على عناصر التفرقة.
خطاب الكراهية قائم؛ الأمر الذي يتطلب الحرص على التقليل من انتشاره. وهنا، يأتي دور القائمين على تدبير الشأن العام، من حيث تربية الأطفال على احترام حريات وقناعات الآخرين؛ لأن التنوع الثقافي إيجابي، عكس ما تروجه بعض الجهات.
لا شك في أن انخفاض منسوب التسامح ببعض المناطق الجغرافية، التي ترتفع فيها حدة الصراعات الدينية، يرجع إلى انعدام قنوات مؤسسية للتواصل مع شعوب العالم وتغييب الميكانزمات السياسية التي من شأنها نشر مبادئ التسامح والوئام بين الأفراد. إلى أي حد يساهم سوء التواصل في تفاقم ظواهر اللاتفاهم والعنف؟
نعم، نحتاج إلى تعزيز قنوات التواصل على الصعيدين الداخلي والخارجي، عبر الاستثمار في الإعلام الذي يلعب أدوارا مهمة في سبيل تقريب وجهات النظر بين الشعوب، وتصحيح المواقف الخاطئة حول الثقافات الأجنبية؛ لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية للانخراط في النقاش العام المتصل بالتسامح والديمقراطية والإنسانية.
قد يهمك ايضا
محمد شفيقي يُبرز التسامح الديني والتنوع الثقافي الذي يميز المملكة