القدس المحتلة - ناصر الأسعد
لا تزال تداعيات إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة تلقي بظلالها على كافة الصعد، وسط رفض عربي ودولي للمقترح الذي يزعم تحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وفق ما قاله الرئيس الأميركي.
و أهم ردود الفعل هو ما حذّر منه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء شلومي بيندر من عواقب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، من أنها قد تشعل المنطقة، بحسب ما نقلت عنه القناة 13 الإسرائيلية. وأضافت القناة 13 أن قادة عسكريون كبار قلقون من عواقب خطة ترامب.
و قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، في حوار مع القناة 14 الإسرائيلية، إن الحال في غزة "لن يعود إلى ما كان عليه". وأضاف: "كنت أسمع أنه سوف يأتي أبو مازن (الرئيس محمود عباس) والسلطة الفلسطينية ويجلبان لنا غزة جديدة.. ثم يأتي الرئيس الأميركي ويقول - أنا مستعد لإحضار شيء آخر - وحتى تحمل المسؤولية عن غزة. ماذا تفضل هناك أبو مازن أم أميركا؟ فكرة جديدة. لا شك أنها فاجأت العالم".
وكشف نتنياهو أنه يعلم أن ترامب على اتصال بزعماء عدد كبير من البلدان، لكنه رفض الكشف عن تفاصيل.
وقال "إن إطلاق سراح جميع المحتجزين هو هدفنا، إلى جانب هدف القضاء على القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وضمان عدم عودة غزة إلى كونها تهديدًا لإسرائيل.. منذ اللحظة الأولى بدأت حماس في انتهاك الوعود والاتفاقات، لن نتقدم إذا لم ينفذوا كل بند في هذا الاتفاق. أما بالنسبة للجزء التالي فهو أكثر تعقيدا، لكنني متفائل بأننا سننجح في تحقيقه".
و كشفت إسرائيل أمي، أنها بدأت وضع خطة لتسهيل "المغادرة الطوعية" لسكان غزة، فيما كرّر الرئيس الأميركي ترامب مقترحه القاضي بأن تسيطر بلاده على القطاع الفلسطيني بعد ترحيل سكّانه رغم الاستهجان الواسع لهذا الطرح.
وما إن أعلنت إسرائيل، صباح الخميس، عزمها على تسهيل مغادرة الغزيين للقطاع حتى سارعت حركة حماس إلى المطالبة بعقد قمة عربية طارئة لمواجهة مشروع ترامب "التهجيري"، بينما حذّرت مصر من تداعيات هذه التطورات على الهدنة الهشة في القطاع.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان "أوعزتُ للجيش بإعداد خطة تسمح لأي ساكن في غزة يرغب في المغادرة بالقيام بذلك، إلى أي بلد يرغب باستقباله".
وأضاف "ستشمل الخطة خيارات الخروج من المعابر البرية، إضافة إلى الترتيبات الخاصة للمغادرة عبر البحر والجو".
ولا يستطيع سكان غزة حاليا مغادرة القطاع الخاضع لحصار إسرائيلي والمدمر إلى حد كبير بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس والتي اندلعت بعد هجوم الحركة على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وتسري في القطاع هدنة دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير.
وطرح ترامب، الثلاثاء، خلال استقباله في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكرة غريبة وغير مسبوقة تقضي بأن تسيطر الولايات المتحدة على غزة بهدف إعادة إعمارها وتطويرها اقتصاديا بعد ترحيل سكان القطاع إلى مصر والأردن، اللذين سارعا إلى رفض هذه الفكرة، على غرار ما فعل الفلسطينيون أنفسهم ودول عدة حول العالم.
وحاول مسؤولو الإدارة الأميركية، الأربعاء، التخفيف من وقع هذه الفكرة، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، إن ترامب "لم يتعهّد نشر قوات على الأرض في غزة"، أقلّه "في الوقت الحاضر"، بينما أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الرئيس الجمهوري يريد أن يغادر الفلسطينيون قطاعهم مؤقتا ريثما تتولّى واشنطن إعادة إعماره.
غير أن ترامب عاد، الخميس، لتأكيد جدّية مقترحه، مشددا على أن "الولايات المتحدة ستتسلّم من إسرائيل قطاع غزة بعد انتهاء القتال"، وأنّه "لن تكون هناك حاجة لجنود أميركيين" لتنفيذ هذه الفكرة.
وأضاف الملياردير الجمهوري على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشل" أن فلسطينيي القطاع سيهجّرون حتى "يعاد توطينهم في مجتمعات أكثر أمنا وجمالا بكثير، مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة".
و رأت حركة حماس في تصريحات ترامب "إرادة معلنة لاحتلال القطاع"، مطالبة بعقد قمة عربية عاجلة "لمواجهة مشروع التهجير".
وقال المتحدث باسم الحركة الفلسطينية حازم قاسم، إن "تصريحات ترامب مرفوضة قطعا، وغزة لأهلها ولن يغادروها".
وأضاف أن الحركة "تطالب بعقد قمة عربية طارئة لمواجهة مشروع التهجير"، و"بالتصدي لضغوط ترامب والثبات على مواقفها الرافضة للتهجير".
و حذّرت القاهرة من أن دعم الحكومة الإسرائيلية مقترح ترامب قد "يُضعف التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار ويقضي عليه، ويحرّض على عودة القتال" بين إسرائيل وحماس.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان، إن القاهرة "ترفض أي طرح أو تصوّر يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال التهجير"، محذرة من مخاطر ذلك "على المنطقة بأكملها وعلى أسس السلام".
وأضافت أن القاهرة "ترفض تماما أيّ طرح أو تصور" يقوم على "تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه التاريخية والاستيلاء عليها، سواء بشكل مرحلي أو نهائي"، مؤكدة أن "مصر لن تكون طرفا فيه".
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" Fox News، مساء الأربعاء، وصف نتنياهو فكرة ترامب بأنها "رائعة"، وقال إنه يجب "درسها وتنفيذها".
وأشار إلى أن المبادرة لا تعني بالضرورة أن الفلسطينيين سيغادرون القطاع بشكل دائم.
ورحّب حليفه اليميني المتطرف وزير المال بتسلئيل سموتريتش، الخميس، باستعداد الجيش "للاضطلاع بدوره في خطة هجرة" سكان غزة "إلى الدول المضيفة".
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "ضرورة تجنب أي شكل من أشكال التطهير العرقي"، مذكّرا بـ"حق الفلسطينيين في العيش ببساطة كبشر على أرضهم".
وبينما قال ترامب أيضا إنه يريد جعل القطاع الفلسطيني "ريفييرا الشرق الأوسط"، أوضح البيت الأبيض أن الولايات المتحدة لن تموّل "إعادة إعمار غزة"، لكنها ستعمل في هذا الاتجاه مع "شركائها في المنطقة".
"
وحذّر الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والمصري عبدالفتاح السيسي من أن "أي تهجير قسري للشعب الفلسطيني في غزة أو الضفة الغربية سيكون غير مقبول".
ورفض الأردن والإمارات والسعودية وجامعة الدول العربية، الخطة الأميركية، وكذلك الاتحاد الأوروبي.
من جهتها، اعتبرت إيران، الخميس، أن طرح "التهجير القسري" لسكان غزة "صادم".
والخميس، قال وزير الخارجية الأميركي، إن على الدول التي تنتقد اقتراح ترامب في شأن غزة، أن تبادر الى عرض اقتراحات لمساعدة القطاع المحاصر والمدمر.
وأضاف "هناك دول في المنطقة تعبر عن قلق كبير. نشجع هذه الدول على التقدم وإيجاد حل وجواب لهذه المشكلة".
في الوقت نفسه، استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، فيما تستمر المرحلة الأولى التي بدأت في 19 يناير ستة أسابيع.
وأعلنت حماس، الثلاثاء، أن هذه المفاوضات "بدأت". وقالت إسرائيل إنها سترسل "في نهاية الأسبوع" وفدا إلى قطر، إحدى الدول الثلاث الوسيطة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر.
وأسفرت المرحلة الأولى حتى الآن عن إطلاق سراح 18 من المحتجزين في غزة، ونحو 600 معتقل فلسطيني لدى إسرائيل، وعن تدفق المساعدات الإنسانية، وعودة أكثر من نصف مليون نازح إلى شمال القطاع.
والخميس، حض برنامج الأغذية العالمي المجتمع الدولي و"جميع المانحين" على المساعدة في إطعام سكان غزة، وإعادة إعمار القطاع الذي دمرته الحرب بين إسرائيل وحماس، مشددا على أن "حجم الاحتياجات هائل".
وعبر أكثر من 10 آلاف شاحنة مساعدات الحدود إلى قطاع غزة منذ سريان اتفاق وقف النار في 19 يناير، وفق ما أعلن منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، الخميس.
ويُفترض أن تشهد المرحلة الثانية الإفراج عن آخر المحتجزين الأحياء وإنهاء الحرب، قبل مرحلة ثالثة نهائية مخصصة لإعادة إعمار غزة.
واحتُجز خلال هجوم حماس في السابع من أكتوبر 251 شخصا، كما قتل 1210 أشخاص على الجانب الإسرائيلي، وفق تعداد يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وأدّى الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة إلى مقتل 47583 شخصا على الأقل، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
دونالد ترامب يتعهد بقطع التمويلات عن جنوب إفريقيا على خلفية قانون مصادرة الأراضى