الرباط ـ رضوان مبشور
عقد زعماء الأحزاب السياسية المغربية المنتمية للغالبية الحكومية والمعارضة، مساء الإثنين، اجتماعًا طارئًا مع مستشاري الملك محمد السادس في الديوان الملكي في الرباط، ترأسه المستشار الملكي الطيب الفاسي الفهري، وذلك للتباحث بشأن الموقف الأميركي المفاجئ بخصوص ملف الصحراء الغربية، بعدما أقدمت
الإدارة الأميركية على تبني نهج جديد مع ملف الصحراء، بعد قدوم وزير الخارجية جون كيري، الذي لا يحتفظ بمواقف إيجابية تجاه المغرب، ونهج سياسية مختلفة عن سابقته هيلاري كلينتون في ملف الصحراء.
وكشفت مصادر دبلوماسية، لـ"العرب اليوم"، عن أن وزير الخارجية الأميريكي جون كيري، وقّع الإثنين، مسودة مشروع لاستصدار قرار يتعلق بتوسيع مهمة بعثة "المينورسو" في الصحراء الغربية، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في كل من المناطق التي تسيطر عليها سلطات الرباط، ومخيمات تندون على التراب الجزائري تحت سيادة جبهة "البوليساريو" الداعية إلى الانفصال عن المغرب، والمدعومة من طرف حليفها التاريخي الجزائر.
وتنص مسودة القرار الأميركي الذي سيقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، من أجل تداولها في الاجتماع المقبل لمجلس الأمن الدولي، على توسيع مهمة "المينورسو"، وهو المطلب الذي ظلت ترفعه الجزائر وجبهة "البوليساريو"، ورفضه المغرب لسببين: الأول أن توسيع مهمة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان يتعارض جملة وتفصيلاً مع الاتفاق الموقع بين سلطات الرباط والجبهة في العام 1991، والمتعلق بوقف إطلاق النار، والذي يحصر مهام البعثة الأممية في مراقبة مدى التزام الجانبين المتصارعين بمقتضيات الاتفاق فقط، ولا يشمل مراقبة حقوق الإنسان، أما السبب الثاني الذي تقدمه سلطات الرباط في رفضها لتوسيع مهام "المينورسو"، هو بعدما سبق للمغرب أن قدم مقترحًا بديلاً يرمي إلى فتح أقاليم الصحراء الغربية أمام المقررين الخاصين للأمم المتحدة، وفتح مكاتب محلية للمجلس المغربي لحقوق الإنسان، بوصفه مؤسسة حقوقية مغربية مستقلة، للقيام بمهمة مراقبة حقوق الإنسان في أقاليم الصحراء الغربية، قوبل هذا المقترح بالرفض.
وجاء مقترح جون كيري بتوسيع مهام "المينورسو"، بعدما شنت منظمة "روبرت كينيدي" الأميركية حملة دولية لجمع التوقيعات، لغرض توجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس الأميركي باراك أوباما، لدعم مطلب جبهة "البوليساريو" الانفصالية بتوسيع مهمة "المينورسو"، وهو المقترح الذي ترفضه الرباط، وسبق لرئيس منظمة "روبيرت كينيدي"، كيري كينيدي أن قالت في تصريحات صحافية في وقت سابق، "إن الولايات المتحدة الأميركية وافقت على توسيع مهمة (المينورسو)، ادعموا هذا الجهد، انشروا الخبر".
وجاءت كل هذه التطورات المفاجأة لسلطات الرباط، بعد انعقاد مجلس الأمن الدولي لجلسته الأخيرة في الثامن من نيسان/أبريل الجاري، لمناقشة تقرير المبعوث الأممي للصحراء الغربية، كريستوف روس، الذي لم يسفر عن مستجدات كبيرة في الملف، سوى دعوته الدائمة إلى الحوار بين الأطراف المتنازعة من أجل إيجاد حل توافقي يرضي الجانبين.
وسربت مواقع إخبارية عدة تابعة لجبهة "البوليساريو" الانفصالية، أخبارًا بعد انعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، عن تقديم أميركا عن طريق مندوبتها في الأمم المتحدة سوزان رايس، بمسودة قرار تتبني طلب توسيع مهمة "المينورسو" بالصحراء الغربية، وهو ما يشكل تحولاً كبيرًا في مواقف أميركا الداعمة دائمًا للمقترح المغربي المتعلق بمنح سكان الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، من أجل إنهاء الصراع الدائر في المنطقة المستمر منذ أكثر من 38 عامًا.
وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية التي تتوفر على قاعدة أميركية كبيرة في مدينة طانطان في الجنوب المغربي، حليفًا إستراتيجيًا كبيرًا للمغرب منذ عقود، إلا أن موقفها هذا يظهر انحيازًا كبيرًا تجاه جبهة "البوليساريو" والجزائر، حيث أفاد خبراء سياسيون لـ"العرب اليوم"، أنه إن لم يصادق مجلس الأمن الدولي على المقترح الأميركي، فإن هذه التطورات الجديدة في الملف تؤشر إلى منعطف جديد وخطير في علاقات الرباط والولايات المتحدة الأميركية بعد مجئ جون كيري، المعروف بانحيازه الكبير لأطروحة جبهة "البوليساريو"، عكس توجهات سلفه هيلاري كلينتون التي زارت المغرب في ولايتها أكثر من مرة، وعبرت في كل مرة عن دعمها ودعم الإدارة الأميركية لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ العام 2007.
وتعول سلطات الرباط بشكل كبير على فرنسا، أكبر حليف تاريخي وإستراتيجي للمغرب في استعمال حق "الفيتو" للحيلولة من دون تمرير هذا القرار في مجلس الأمن الدولي، فيما كشفت مصادر مطلعة في تصريحات لـ"العرب اليوم"، عن "أن وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني، والوزير المنتدب في الخارجية محمد العمراني، سيقومان في الأيام القليلة المقبلة برحلات مكوكية إلى عواصم عدة عالمية كلندن وباريس وواشنطن، لحشد التعبئة لصالح الموقف المغربي الرافض لتوسيع مهمة (المينورسو) في الصحراء الغربية لتشمل الجانب الحقوقي، علما أن فرنسا لن تدخر أي جهد في رفض المقترح الأميركي".
وأكد متتبعون لملف الصحراء الغربية، أن جبهة "البوليساريو" والجزائر سيقومون هم أيضًا بزيارات إلى عواصم عالمية عدة، للتعبئة لصالح موقفهم الرامي إلى تمرير المقترح الأميركي بتوسيع مهمة "المينورسو"، الذي اعتبرته الرباط مجرد مناورات جزائرية لإطالة أمد الصراع أكثر، ومحاولة عرقلة مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.
وقال رئيس الفريق الاستقلالي في البرلمان المغربي، محمد الأنصاري، في تصريحات صحافية، "إن المغاربة مجمعون على قضية وحدتهم الترابية ولا يختلفون عليها أبدا، وهم متشبثون بخطة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، وإن الحملة التي تقودها الجزائر تهدف إلى تقويض المسلسل الديمقراطي الذي يعيشه المغرب، ولابد من التحلي بالحذر وتقوية الجبهة الداخلية، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون جميع الشرائح من أحزاب مغربية ونقابات متواصلة لتوحيد مواقفها في هذا الشأن".
وأضاف الأنصاري، "خصمنا عنيد ويستخدم وسائل احتيالية لمناهضة المغرب في قضية الصحراء المغربية، وهذا يشعرنا بأن يكون موقفنا قوي في المحافل الدولية للتدخل لفض النزاع حسب اقتراح المغرب"، محذرًا من انعكاسات هذا الملف السلبية على منطقة الساحل والصحراء.