الرباط – رضوان مبشور
الرباط – رضوان مبشور
انتقد حزب "العدالة والتنمية" المغربي الحاكم، قرار انسحاب "الاستقلال" من الحكومة، من خلال الاجتماع الذي عقده مساء الثلاثاء في مقر حزبه في حي الرياض في الرباط، وأجمع مجموعة من قيادييه عن إدانتهم لما أسموه بـ"الاستعمال الانتهازي لمضمون الدستور"، رافضين في الوقت ذاته "إقحام اسم الملك في التجاذبات السياسية". وأجمع أعضاء "العدالة والتنمية"، على أن هدف حزب "الاستقلال" من قرار الانسحاب هو "عرقلة مسلسل الإصلاحات التي
شرعت فيها حكومة عبدالإله بنكيران، وإدخال (الاستقلال) في مأزق"، رافضين "الرضوخ للابتزاز والضغط والمساومة على مبادئ الحزب في الإصلاح".
وبشأن طبيعة الرد التي سيقوم به حزب بنكيران، قال الناطق الرسمي باسم حزب "العدالة والتنمية" سليمان العمراني، لـ"المغرب اليوم"، "إن الحزب لا يمكنه الرد على قرار غير رسمي، ما دام رئيس الحكومة لم تصله أي رسالة من قيادة حزب (الاستقلال) أو من وزراء هذا الحزب، تؤكد قرار الانسحاب من الحكومة، وأن الأمين العام لـ (العدالة والتنمية) رئيس الحكومة بنكيران أكد من خلال الاجتماع أن الوضع السياسي في المغرب عادي، ولم يتغير أي شيء عمليًا"، جازمًا أن حزب "الاستقلال" لن ينسحب من الحكومة.
وأوضح العمراني، أن "حزب (العدالة والتنمية) لايزال يعتبر حزب (الاستقلال) حليفًا له داخل الغالبية الحاكمة، ووزرائه لا يزالوا يمارسون مهامهم الوزارية بشكل عادي داخل مكاتبهم الوزارية، كما أن الفريق البرلماني للحزب لم ينسحب من دعمه للحكومة"، مؤكدًا أن "قرار (الاستقلال) ليس قرارًا رسميًا، وأن اللجنة التنفيذية لهذا الحزب، أعلنت عن الإبقاء على وزراء الحزب داخل الحكومة، وبالتالي فالأمانة العامة لـ(العدالة والتنمية) لم تناقش الآثار المترتبة عن قرار غير رسمي يتم تفعيله على أرض الواقع".
وأضافت مصادر من داخل اجتماع قيادة الحزب الحاكم، لـ"المغرب اليوم"، أن "الحزب يطالب بأن تظل المؤسسة الملكية بعيدة عن التصريحات الحزبية، بعدما صرح الأمين العام لحزب "الاستقلال" حميد شباط، أن العاهل المغربي محمد السادس اتصل به هاتفيًا بعد اتخاذهم لقرار الانسحاب من الحكومة، وطلب منه الاستمرار داخل الائتلاف الحاكم إلى حين عودته من الديار الفرنسية، لتجنب الفراغ الدستوري، وهو التصريح الذي شككت فيه قيادة "العدالة والتنمية" باعتبار أن الديوان الملكي لم يصدر أي بلاغ في هذا الأمر.
وعن إمكان استجابة حزب "العدالة والتنمية" لمطالب شباط بإجراء تعديل حكومي، أكدت المصادر أن "الحديث عن تعديل حكومي أصبح سابقًا لأوانه، لأن شباط أدخل حزبه في مأزق غير قادر على الخروج منه، متهمة شباط بـ"محاولة توجيه النقاش العام حوله".
ورغم نفي "العدالة والتنمية" لفكرة إجراء تعديل حكومي في هذه الظرفية، إلا أن مصادر أخرى أشارت في حديث لـ"العرب اليوم"، إلى أن التحكيم الملكي يتجه نحو إجراء تعديل حكومي لإرضاء حزب "الاستقلال" وتهدئة الأوضاع، نظرًا للظرفية السياسية والاقتصادية التي تمر بها المملكة، وأن التعديل الحكومي سيمس غالبية القطاعات الوزارية، وإعادة هيكلة الحكومة، عن طريق تغيير بعض الوزراء، وجمع بعض الوزارات التي تشتغل برأسين، مثل وزارة الاقتصاد والمال والتعليم والشؤون الخارجية، وإلغاء منصب وزير الدولة الذي يشغله عبدالله باها، حيث اعتبرته قيادة "الاستقلال" منصبًا وزاريًا غير دستوري.
وأكدت المصادر نفسها، أن "حميد شباط يتجه نحو استبعاد بعض وزراء حزبه المغضوب عليهم والمحسوبين من جناح (آل الفاسي)، وعلى رأسهم وزير الاقتصاد والمال نزار بركة، واستبداله بعادل الدويري، وكذلك وزير التعليم محمد الوفا، واستبداله بالقيادية البارزة في الحزب كنزة الغالي، كما يطالب أيضًا باستبعاد كل من وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومي مصطفى الخلفي المنتمي لحزب (العدالة والتنمية)، بعدما فشل في تنزيل دفاتر التحملات الخاصة بالقطب العمومي، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني، المنتمي هو الآخر لـ(العدالة والتنمية) بعدما انتقد (الاستقلال) طريقة تعامله مع ملف الصحراء، وسكوته في أكثر من مرة على انتقاد الجزائر التي اختار أن يتعامل مع تحرشاتها بليونة كبيرة، كما يطالب رفاق شباط باستبعاد وزير الصحة الحسين الوردي المنتمي لحزب (التقدم والاشتراكية) من الحكومة، بعدما توترت علاقته بالحزب إثر قراره بإبعاد الكاتب العام للوزارة رحال المكاوي الذي يشغل حاليًا منصب داخل اللجنة التنفيذية لحزب (الاستقلال)، ومن بين الوزراء الذين وضعهم الحزب على رادار التغيير الوزير عبدالواحد سهيل المكلف بحقيبة العمل والتكوين المهني والمنتمي بدوره لحزب (التقدم والاشتراكية)، وهو الوزير الذي اتهمه شباط في وقت سابق بدخوله قبة البرلمان وهو في حالة سكر".
وبشأن الجدل الكبير الذي شهدته الساحة السياسية المغربية عن الأداة التي استعملها حزب "الاستقلال" لإيجاد مخرج للانسحاب من الحكومة، بحيث اعتبرت الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" أن المرجع الطبيعي لأي تعديل حكومي هو الفصل 47 من الدستور، الذي يحدد كيفية تقديم استقالة الوزراء لاستقالتهم، إما بمبادرة من الملك أو رئيس الحكومة أو من الوزراء المعنيين أنفسهم، وليس الفصل 42 من الدستور الذي يؤكد على الاحتكام للملك باعتباره رئيس الدولة وضامن السير العادي والسليم لمؤسساتها، حيث انتقدت قيادة الحزب الحاكم لهذا التأويل الدستوري، واعتبرته "إقحامًا لشخص الملك في الصراعات بين الأحزاب السياسية".
وفي رده على تأويل حزب "العدالة والتنمية" للأداة الدستورية التي التجأ إليها "الاستقلال" ، قال عضو اللجنة التنفيذية للحزب رحال المكاوي، "الحزب لم يلتجأ إلى الفصل 47 من الدستور لتقديم الوزراء لاستقالتهم حفاظًا على استقرار البلاد، وضمانًا للسير العادي للحكومة، وبالتالي تقدم بالفصل 42 لطلب التحكيم الملكي".
وأفادت مصادر مطلعة، لـ"المغرب اليوم"، أن الأحزاب الثلاثة المتبقية المشكلة للائتلاف الحاكم، "العدالة والتنمية" و "الحركة الشعبية" و "التقدم والاشتراكية"، لم تعقد بعد أي اجتماع رسمي، حيث أرجأته إلى حين إيضاح الأمور أكثر، لكنها في مقابل ذلك، واصلت لقاءاتها واتصالاتها الثنائية غير الرسمية، واجتماعاتها بعيدًا عن وسائل الإعلام.