واشنطن - المغرب اليوم
أعلن الجيش الإسرائيلي الإثنين اعتراضه طائرة مسيرة فوق ما يعرف بالمياه الاقتصادية الخالصة التابعة لإسرائيل بالبحر المتوسط.
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن التقديرات تشير إلى أن حزب الله حاول مهاجمة منصة غاز في حقل كاريش القريب من حدود المنطقة البحرية اللبنانية.
جاء ذلك بعد تصريحات نقلتها وسائل إعلام عربية عن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، وصف فيها اتفاق الغاز الموقّع مع لبنان قبل نحو عامين بـ "الفاضح"، مؤكداً أنه يبحث عن ثغرة لإلغائه.
ويشير كوهين هنا إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والذي وقعه البلدان في عهد الحكومة الإسرائيلية التي تناوب على رئاستها نفتالي بينيت ويائير لابيد نهاية عام 2022، وعارضه نتنياهو في ذلك الوقت.
وأنهى الاتفاق الذي تم بوساطة أمريكية أعواماً طويلة من الخلافات بشأن حدود المياه الاقتصادية الخالصة بين لبنان وإسرائيل.
نحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على أبرز جوانب الاتفاق، وتاريخ وجذور النزاع بين البلدين حول الحدود البحرية.
بحسب تعريف اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فإن المنطقة الاقتصادية الخالصة هي منطقة بحرية متاخمة للمياه الإقليمية لأي دولة ذات سيادة، ويكون لهذه الدولة حق خاص في استغلال موارد هذه المنطقة الطبيعية وثرواتها السمكية.
وهي تختلف حسب تعريف الأمم المتحدة عن المياه الإقليمية، والتي تعني المنطقة البحرية المحاذية لساحل بلد ما، وتكون تحت سيادة هذا البلد وسلطته.
تمتد المياه الإقليمية لأي بلد على طول ساحله وبعمق يمتد لمسافة 22 كيلومتراً داخل البحر، أما المنطقة الاقتصادية الخالصة فتمتد ابتداء من حدود المياه الإقليمية وحتى مسافة 370 كيلومترا.
عند ترسيم الحدود البحرية وحدود المناطق الاقتصادية الخالصة بين بلدان ساحلية متجاورة، فإنه يتعين أن تتفق البلدان التي تتشارك خطاً ساحلياً على أمرين: من أين يبدأ خط الحدود البحرية؟ وما هو اتجاهه؟
وفي حالة إسرائيل ولبنان، فإن هاتين النقطتين كانتا موضع خلاف.
بداية القرن الحادي والعشرين، بدأت عدة دول في شرق البحر الأبيض المتوسط في ترسيم حدودها البحرية فيما بينها وتحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة لمنع أي نزاعات مستقبلية.
وقّعت مصر وقبرص اتفاقاً لترسيم حدودهما البحرية في عام 2003، ثم وقع لبنان وقبرص اتفاقا في عام 2007، وتضمن ذلك الاتفاق بنداً يسمح بتعديل الحدود الشمالية والجنوبية لمناطق كلا البلدين البحرية في حال تم التوصل إلى اتفاقات مماثلة مع سوريا وإسرائيل. ما يجدر ذكره أن الاتفاق لم يحظ بمصادقة مجلس النواب اللبناني.
منتصف عام 2010، أرسل لبنان إحداثيات حدود مياهه الاقتصادية الخالصة إلى الأمم المتحدة، ووضع حدودها الجنوبية عند الخط 23 البحري، وبعد ذلك بأشهر قليلة، وقّعت إسرائيل وقبرص اتفاقا لترسيم حدودهما البحرية، وحددت إسرائيل الحدود الشمالية للمنطقة الاقتصادية الخالصة لها عند الخط 1، وهو خط يقع شمال الخط 23 الذي أقره لبنان كحدود جنوبية لمنطقته بنحو 17 كيلومتراً، ما جعل المنطقتين البحريتين اللتين تطالب بهما إسرائيل ولبنان متقاطعتين في رقعة متنازع عليها مساحتها 860 كيلومتراً مربعا.
أعاد لبنان إرسال إحداثيات حدوده البحرية إلى الأمم المتحدة عام 2011 وبنفس الحدود السابقة التي وضعها قبل عام.
في 2020 بدأت مطالبات عدة داخل لبنان بإعادة ترسيم الحدود الجنوبية للمنطقة البحرية وتوسيعها لتصل إلى خط يسمى "خط رقم 29"، واستندت المطالبات إلى طرح لخبراء في مجال الطاقة والترسيم البحري، وهو ما وسع المنطقة المتنازع عليها بنحو 1430 كيلومتراً مربعاً.
كان لذلك الطرح أصداء خلال المفاوضات التي كانت جارية بالفعل بين البلدين بوساطة أمريكية، فتوسيع لبنان للمنطقة البحرية التي يطالب بها سيقود إلى مطالبته بحصة في حقل "كاريش" للغاز الطبيعي داخل هذه المنطقة، والذي كانت إسرائيل قد بدأت مسبقا العمل على تطويره والتنقيب فيه.
في يوليو/ تموز من عام 2022 أعلنت إسرائيل إسقاطها 3 مسيرات تابعة لحزب الله اللبناني "كانت متجهة " نحو منصة لاستخراج الغاز الطبيعي في حقل كاريش بالمنقطة المتنازع عليها بين خطي 23 و 29. حزب الله بدوره أكد إطلاقه للمسيرات للقيام بـ "مهام استطلاعية".
جاء ذلك ضمن معادلة أقرها الحزب تقوم على التهديد بعدم السماح لإسرائيل باستخراج الغاز من كامل المنطقة البحرية المتنازع عليها قبل الاتفاق على ترسيم الحدود.
النزاع على حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر بين إسرائيل ولبنان اكتسب أهمية خاصة مع بدء اكتشاف حقول الغاز الطبيعي شرقي البحر الأبيض المتوسط خلال أول عقدين من القرن الحادي والعشرين، ففي المنطقة المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان "وهي المنطقة ما بين الخط رقم 1 ورقم 29"، يوجد حقلان للغاز الطبيعي:
حقل كاريش: تقع بعض أجزائه في المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية، لكن أجزاء أخرى منه تقع في المنطقة المتنازع عليها بين النقطتين رقم 23 و 29.
حقل قانا: يقع في المنطقة البحرية اللبنانية، لكن أجزاء منه تقع في المنطقة المتنازع عليها بين الخطين 1 و 23، وأجزاء أخرى تقع جنوب الخط رقم 23.
في عام 2012، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية عبر موفدها فريدريك هوف اقتراحاً لحل النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، وذلك بتقاسم المنطقة المتنازع عليها بين الخطين رقم 1 ورقم 23، برسم خط عرف في حينه بخط "هوف"، يعطي لبنان حوالي 500 كيلومترا مربعاً، وإسرائيل حوالي 360 كيلومترا مربعا من أصل كامل مساحة الـ 860 كيلومتراً مربعاً. لكن لبنان رفض ذلك الطرح.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أعادت الولايات المتحدة إطلاق المفاوضات غير المباشرة بين البلدين، ولعبت دور الوسيط عبر موفدها أموس هوكشتاين، وانتهت تلك المفاوضات بالتوصل إلى اتفاق نهاية عام 2022.
نص الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين عند الخط 23، وهذا يعني أن حقل كاريش للغاز الطبيعي أصبح بالكامل داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، وهو الحقل ذاته الذي كانت شركة إنرجيان اليونانية بصدد استخراج النفط والغاز منه.
ونص الاتفاق على أن يكون حقل قانا تابعاً بأكمله للبنان، وهو ما يعني أن لبنان له الحقوق الحصرية في تطويره والاستفادة منه، لكن جزءاً منه أصبح ضمن حدود منطقة إسرائيل البحرية. لذا، تم التوافق على قيام شركة توتال الفرنسية، التي فازت بمناقصة التنقيب في المنطقة، بإبرام اتفاق منفصل مع إسرائيل لتعويضها عن حصتها في حقل قانا من أرباح الشركة الخاصة وليس من أرباح لبنان.
بدأ استخراج الغاز الطبيعي من حقل كاريش الإسرائيلي في فبراير/ شباط الماضي، عبر سفينة عائمة تتبع لشركة "إنرجيان". أما في حقل قانا، فلم تُظهر النتائج الأولية وجود مواد "هيدروكربونية" داخل بئر استكشافي تم حفره في الحقل من قبل شركة توتال، وفقاً لهيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية.
قد يُهمك ايضـــــًا :
الجيش الإسرائيلي يدعّو سكان "الضاحية الجنوبية" لبيروت بإخلاء المباني بشكل عاجل