الرباط - كمال العلمي
تُسارع الحكومة الحالية الزمن من أجل الشروع في تفعيل “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، بناء على توجيهات ملكية واردة في خطاب العرش لـ 30 يوليو 2023. وتبيَّن ذلك بجلاء في أول اجتماع عقد الثلاثاء بالرباط، برئاسة عزيز أخنوش رئيس الحكومة.
الاجتماع يجسد مرور الجهاز التنفيذي عبر قطاعات حكومية متعددة، إلى “السرعة القصوى” في مجال تثمين مقدّرات وإمكانيات المغرب من “الهيدروجين الأخضر”، وهو المادة التي ستكون بلا شك “طاقة المستقبل”.
أبرز المخرجات التي تمخض عنها الاجتماع، تؤكد “رهان الحكومة سنة 2024 على الشروع في تنزيل رؤية الملك محمد السادس بشأن مشروع “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، قصد تثمين المؤهلات التي تزخر بها المملكة، والاستجابة لمشاريع المستثمرين في هذا المجال الواعد”.
الأهمية التي توليها الحكومة إلى توجيهات الملك بخصوص “الطاقات الخضراء والمتجددة” تمر عبر دينامية بين وزارية متعددة الاختصاصات لإنجاح الرهان بحلول نهاية هذا العقد؛ وقد جاءت واضحة من خلال المسؤولين الحكوميين الذين حضروا الاجتماع؛ في مقدمتهم عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، وليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ومحسن جازولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، إلى جانب ممثل عن الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (“مازن” Masen ).
المعطيات ذاتها أدرجت هذا الاجتماع في إطار “تنفيذ للتوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الأخير، بمناسبة الذكرى الـ 24 لعيد العرش”.
وبهدف الارتقاء بالمغرب إلى نادي الدول ذات المؤهلات القوية في هذا القطاع المستقبلي، والاستجابة للمشاريع المتعددة التي يحملها المستثمرون والرواد العالميون، أعطى الملك محمد السادس في نونبر 2022 تعليماته ببلورة “عرض المغرب” بشكل عمليّ وتحفيزي، يشمل مجموع سلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين الأخضر بالمملكة؛ ومن المرتقب أن يشمل أيضا إلى جانب الإطار التنظيمي والمؤسساتي مخططا للبنيات التحتية الضرورية لإنتاج وتوزيع وتصدير الهيدروجين.
مراكمة الجهود وتطوير البنية التحتية
تفاعلا مع الموضوع، قال أمين بنونة، خبير مغربي في علوم الطاقة، إنّ “الإمكانيات المتاحة لإنتاج ثم تصدير الهيدروجين الأخضر في المغرب تظل عملياً ليس لديها حدود”؛ وهو ما تفطّن إليه المغرب مبكرا من خلال التوجيهات الملكية التي توالت في الموضوع.
وأكد بنونة، في تصريح، أن المرور إلى وضع برنامج عمل تنفيذ العرض المغربي مبني على حقيقة مفادها “لدينا مناطق كثيرة فيها رياح مستغلة ومناطق ليست مُستغَلّة بعدُ، وقابلة للاستغلال في مقبل السنوات لا سيما من حيث الطاقة الشمسية التي تشمل مساحات شاسعة متصلة بشبكة الكهرباء والطرق الوطنية”.
وتابع شارحاً الإمكانيات المغربية الواعدة: “هناك بنية تحتية قوية يمكن العمل على صيانتها وتطويرها ما سيتيح تنمية اقتصادية واجتماعية في صالح ساكنة مناطق تطوير هذه المشاريع المتعلقة بالطاقات الخضراء”.
وبخصوص الاستثمارات، أوضح أستاذ علوم الطاقة سابقا في جامعة مراكش أن هناك “مسارات للإنتاج النظيف للهيدروجين تتجاوز قدرة بعض المقاولات المغربية؛ ما يجعلنا نراهن أساسا على الاستثمار الخارجي الخاص في هذا المضمار الواعد”، مشددا على أن “مناخ الموارد والاستثمار مشجعان على تسريع هذا الورش”.
وأضاف: “هناك نوع من الطلب الداخلي أوّلي سيكون من طرف المكتب الشريف للفوسفاط (مليون طن من الأمونيا سنويا التي تحتاج للهيدروجين الأخضر)، لافتا إلى أن ذلك “يمكن للحكومة البناء عليه عبر مراكمة وتركيز لخلق عرض مغربي يتضمن توفير عرض تكنولوجي – électrolyseurs أجهزة التحليل الكهربائي التي تتيح استخراج جزئيات الهيدروجين…”
الخبير ذاته سجل أن أثمنة الهيدروجين في السوق العالمي مازالت مرتفعة، لكن المغرب يمكنه استغلال الآفاق الواعدة التي تتيحها السوق الصاعدة للطاقات المتجددة في حال ما انخفضت الأثمان وصار الهيدروجين الأخضر في المتناول (بحوالي أقل من دولاريْن للكيلوغرام).
“هيدروجين مغربي عالي التنافسية”
من جهتها، أوضحت سارة بنيخلف، خبيرة مغربية مقيمة بفرنسا باحثة متخصصة في الطاقات المتجددة والكهربائية، إن “الحكومة المغربية قد مرت فعلا إلى السرعة القصوى لتنفيذ مخطط تموقع في مجال الهيدروجين الأخضر ما سينعكس إيجابا ايضاً لإزالة الكربون من أنشطة الصناعات المغربية”.
وقالت بنيخلف، في إفادات قدمتها، إن “ريادة المغرب قاريا وعالميا في مجال الطاقات المستقبلية للهيدروجين تجعله يتموقع جيداً”، مستدركة بأن “التشريعات الطاقية يجب أن تواكب مشاريع إدماج الهيدروجين في المزيج الطاقي المغربي؛ وهو ما تعمل عليه الحكومة حاليا”.
“المملكة لها الإمكانيات الكاملة نظرا لتوفرها على مخزونات الطاقة الشمسية والطاقة الريحية في شمال وجنوب المملكة ما سيسمح للمغرب بإنتاج كهرباء نظيفة، ما يعني تعبيد الطريق نحو الهيدروجين الأخضر (النظيف والأقل تلويثا)”، تؤكد الباحثة المتخصصة، مشيرة إلى “مجموعة استعمالات وطرق تخزين متعددة يجب العمل على تطويرها لبلوغ مليون طن من الأمونيا الخضراء في عام 2027”.
“طموح قابل للتحقق”
وترى بنيخلف أن هذا الرقم “طُموح قابل للتحقق” مستدلة على ذلك بوجود “الإمكانيات، والإرادة فضلا عن منصة المغرب الصناعية الجاذبة للاستثمارات”. وزادت بهذا الشأن: “إنتاج الهيدروجين سيسمح بتثمين الصادرات المغربية أساسا في صناعة الأسمدة وضمان التموقع العالمي، وقد حان وقت العمل على ذلك..”.
ولم تغفل الباحثة المغربية ذاتها استغلال المغرب لفرص “الطلب العالمي على الطاقات الخضراء”، فضلا عن تزايد الطلب الداخلي”؛ لأن “الهيدروجين الأخضر يمكن أن ينقلنا فعليا إلى تنافسية واعدة بخصوص التنقل الكهربائي المستدام”.
بالموازاة، شددت بنيخلف في تصريحها على “أهمية الترابط القائم بين اكتفاء ذاتي طاقياً لتحقيق خطى كبيرة على طريق السيادة الطاقية المغربية في مجال الكهرباء النظيفة”، مبرزة “استعداد عدد من الشركات العالمية للاستثمار في إنتاج كهرباء نظيفة أقل ثمناً وأكثر تنافسية”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
وكالة الطاقة الدولية تتوقع سيطرة المغرب ومصر على سوق الهيدروجين الأخضر في العالم