واشنطن ـ رولا عيسى
تواجه بريطانيا مأزقًا على الساحة العالمية لم يسبق له مثيل، بعدما فشل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في دعم الرئيس الأميركي باراك أوباما للتدخل في سورية، فيما خرجت عناوين الصحف الأميركية الصادرة، السبت، تنضح بالسخرية من الهزيمة البرلمانية التي تلقاها كاميرون في مجلس النواب.
وتلقى الرئيس الأميركي باراك أوباما صفعة قوية على وجهه أمام العالم بعدما رفض البرلمان البريطاني، الجمعة، خطط كاميرون
لدعم أوباما في الهجوم على سورية، وهو ما كان يعتقد الرئيس الأميركي أنه أمرٌ مفروغٌ منه، خصوصًا وأن بريطانيا هي أقوى حلفاء الولايات المتحدة.
وصدرت دعوات عاجلة إلى البيت الأبيض، الجمعة، بعد وقت قصير من إعلان الحكومة البريطانية عدم دعمها الخطط الأميركية للهجوم على سورية، وقال مسؤولين أميركيون في البيت الأبيض إن بريطانيا "تراجعت عن مكانتها المميزة" .
ولكن توحدت وجهات نظر الصحف الأميركية وقالت: إن "بريطانيا الحليف الدائم للولايات المتحدة "رفضت" مبدأ احتمال نشوب صراع جديد في الشرق الأوسط، وتركت أوباما ليتخذ هذا القرار بمفرده.
وحذر المستشار جورج أوزبورن من أنه يجب على بريطانيا البحث في شخصيتها الوطنية عن مكانها في العالم، كما حذّر وزير الدفاع فيليب هاموند من أن العلاقة الخاصة أصبحت تواجه توترًا الآن.
وأعرب خبراء الدبلوماسية عن مخاوف عميقة من أن تداعيات هذا القرار على مكانة بريطانيا على الساحة العالمية ستكون طويلة الأمد.
وخرجت الصفحة الأولى لصحيفة "نيويورك ديلي نيوز"، السبت، الأكثر إثارة، وجاء فيها صورة كئيبة لأوباما تحت عنوان: "البريطانيون لن يشاركوا! البريطانيون لن يشاركوا!".
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال": "إن أمريكا تستعد لهجمة منفردة على سورية بعد تراجع بريطانيا"، بينما قالت صحيفة "نيويورك تايمز": إن كاميرون تعرّض لـ "هزيمة برلمانية غير مسبوقة، والتي كانت علامة على ضعف كاميرون".
وقالت "جمعية هنري جاكسون": "إن التصويت، الجمعة، أضر بسمعة بريطانيا كقوة عالمية كبرى، وكذلك بعث برسالة مثيرة للقلق إلى الحكام المستبدين، في حين قال المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي) إنه كان إحراجًا سياسيًا".
وقال زعيم "الحزب الليبرالي الديمقراطي" السابق اللورد آشدون إن الهزيمة التي وقعت في مجلس العموم تركت المملكة المتحدة وكأنها "بلد تقلص دوره بشكل كبير".
وقال موقع المحافظين ذو النفوذ القوي، على الإنترنت "ConservativeHome": "إن هزيمة كاميرون هي الأسوأ على مستوى السياسة الخارجية في العصر الحديث".
ووعد كاميرون أوباما أنه سيقف بجانب الولايات المتحدة، وسيشاركها في القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد، بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية المدمرة في دمشق، الأسبوع الماضي.
لكنه يواجه الآن احتمال حضور قمة G20، الأسبوع المقبل، في سان بطرسبرغ كشخصية متضائلة للغاية، غير قادر على إعطاء وعود تتعلق بالقوة العسكرية البريطانية عند الجلوس على طاولة المفاوضات مع أقوى قادة في العالم.
ولإضافة المزيد من الحرج، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن بلاده مستعدة للوقوف جنبًا إلى جنب مع أميركا و "معاقبة" الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال: "إن المذبحة الكيميائية في دمشق لا يمكن ولا يجب أن تمر من دون عقاب. خلافًا لذلك، نحن نخاطر من أجل منع تطبيع استخدام هذه الأسلحة، وتهديد البلدان الأخرى. كل بلد حر في اختياره ما إذا كانت ستشارك في مثل هذه العملية أم لا. وهذا ينطبق على بريطانيا وفرنسا".
وطالب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون البرلمان بالتصويت الطارئ لتأييد مشاركة المملكة المتحدة في هجمات صاروخية.
لكن النواب صوتوا بعدد 272 صوتًا مقابل 285 لرفض دعم كاميرون لتدخّل بريطانيا من حيث المبدأ.
وهذه هي المرة الأولى التي يصوت فيها البرلمان ضد الحكومة في مسألة الحرب والسلام منذ العام 1782، مما يثير احتمال قيام الولايات المتحدة بهذا الهجوم بمفردها.
وقال هاموند: "ومن المؤكد أن هذا القرار سيؤدِّي إلى فرض بعض الضغوط على العلاقة الخاصة بين البلدين".
وقال "لقد فوجئ الأميركيون من حجم المعارضة في البرلمان، وربما يحتاج الأمر لمزيد من الجهد لفهم الأسباب الخاصة جدًا وراء وجود هذا الرأي في البرلمان".
وأكدت مصادر في "داوننغ ستريت"، رئاسة الوزراء، أنه كان هناك "تفهم" من البيت الأبيض بشأن نتائج التصويت.
ولكن كان هناك اعتراف بأنها غيّرت افتراضها بأن بريطانيا والولايات المتحدة ستعملان معًا في العمليات العسكرية في جميع أنحاء العالم بشكل دائم.
وأصر المستشار أوزبورن أن العلاقة مع الولايات المتحدة "قديمة جدًا وعميقة جدًا وتعمل على كثير من المستويات، وكان هناك "شيء من المزايدة" عن تأثير التصويت".
لكنه أشار إلى أن المملكة المتحدة الآن في مفترق طرق حاسم لتحديد الدور الذي تلعبه في السياسة العالمية.
وقال في برنامج راديو "بي بي سي 4"، الجمعة: "أعتقد أنه سيكون هناك بحث عن الذات الوطنية بشأن دورنا في العالم، وإذا كانت بريطانيا تريد أن تلعب دورًا كبيرًا في الحفاظ على النظام الدولي".
وأضاف "أنا متفهم الشكوك العميقة لدى زملائي في البرلمان بشأن ضلوع بريطانيا في هجمات ضد سورية. آمل أن لا تكون هذه هي اللحظة التي ندير فيها ظهورنا لمشاكل العالم".
واقترح مسؤولون في البيت الأبيض أن أوباما على استعداد لتوجيه ضربات ضد سورية من دون الدعم البريطاني .
لكن عندما سئل المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست عما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تقوم بالعملية العسكرية بمفردها قال: "إن رأي الآخرين في هذا الوضع له تقدير وقيمة".
وقال وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل "إن أميركا تريد تأمين الدعم الدوليّ لأيّ تدخُّل عسكريّ".
وقال متحدثًا خلال رحلة إلى الفلبين: "هذا هو هدف الرئيس أوباما وحكومتنا ... أي قرار يُتخذ يجب أن يكون على خلفية من التعاون والجهود الدولية".
وأضاف: "نهجنا هو الاستمرار في إيجاد تحالف دولي من شأنه أن يعمل معنا، وأعتقد أن هناك عددًا من البلدان والدول أعلنت موقفها من استخدام الأسلحة الكيميائية".
لكن محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز "وودرو ويلسون" في واشنطن روبن رايت قال لصحيفة "تايمز": إن التصويت "تسبَّب في تعقُّد الأمور، وإن هذا له آثار كبيرة بشأن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وأقرب حلفائها".
وقال المدير التنفيذي لمركز أبحاث "جمعية هنري جاكسون" الدكتور آلان ميندوزا: "إذا لم تتراجع فسيتسبّب هذا التصويت في انضمام المملكة المتحدة إلى مصاف الدول التي تأتي في الدرجة الثالثة، ودان أن تكون سجينة للأحداث وليس لديها القدرة على رسم طريقها، وهذه نتيجة مخزية لن تُنسى بسهولة من قبل حُلفائنا. يمكننا أن نكون على يقين من أن هناك الكثير من الفظائع سيحدث في سورية".
وقال المدير العام لـ"روسي" البروفيسور مايكل كلارك إن قرار عدم المشاركة في التدخل العسكريّ تسبب في إحراج لبريطانيا على الساحة الدولية.
وكتب اللورد أشداون، الذي ظهر أمام اعضاء "الحزب الليبرالي الديمقراطي" مع القائد نيك كليغ، الجمعة، لحث لمعترضين على دعم الحكومة، على موقع "تويتر": "على مدى 50 عامًا في محاولة لخدمة بلدي لم يسبق لي أن شعرت بذلك الاكتئاب والخجل، فقد كان جواب بريطانيا على الأهوال التي تحدث في سورية؟ هذا ليس من شأننا".
بينما أصر زعيم حزب "العمال" إد ميليباند على أن علاقة المملكة المتحدة والولايات المتحدة "لا تزال قوية" رغم تصويت الجمعة.
وقال: "أنا لا أعتقد أن هناك درسًا لبريطانيا، ولكن يجب أن نسير في الطريق الصحيح لبريطانيا، والذي من شأنه أن يضمن مصلحتنا الوطنية، بل مصلحتنا العالمية".