عزة العمد
يعتبر مصطلح العنف الاجتماعي رديف لمسميات كثيرة ظهرت في مجتمعاتنا، كالسلوك العدواني اللفظي أو الجسدي، وكسلوك التنمر والاستقرار، أو سلوك البلطجة، أو قلة الأدب والتهذيب ...... الخ من مسميات، ولكنها كلها تشترك في نفس مظاهر وسمات الشخصية للشخص العدواني أو المتنمر .... كما وتشترك بأسلوب ممارسة العدوان بطرق غير لائقة وبكلمات وحركات بعيدة عن الخلق والتهذيب .... وبالتالي كلها تشترك بنتائجها وعواقبها ومخلفاتها من شروع بالجريمة إلى الجريمة أو إلى العقاب والنبذ الاجتماعي.
هذا من حيث تعريف المصطلح، أما من حيث الأسباب والدوافع، فإن معظم الدراسات النظرية والسلوكية والميدانية تجمع أن هذه السلوكيات تكتسب من البيئة ولا تورث ... ولابد لظهورها من محركات ودوافع سلوكية واجتماعية تساهم في نموها وتطورها. فقد يظهر التنمر والاستقواء في المنزل عندما تلاحظ الأم سيطرة أحد الإخوة على بقية إخوانه من حيث إعطاء الأمر وإجبارهم على تنفيذه، أو الاستحواذ على الألعاب والممتلكات العامة في المنزل، وقد يكون بهيئة السيطرة على بعض أصناف الطعام المفضلة لدية، كما تنتشر هذه السلوكيات أيضا وبشكل ظاهر في رياض الأطفال والمدارس، ومرورا بالتعليم العالي والجامعات ومن ثم محيط العمل وبعد الزواج وفي تربية الأبناء.
وتأتي بنفس الأسلوب والشكل والممارسة، ولكن بدرجات متفاوتة من حيث الحجم والشدة، وهكذا هي عجلة العنف دائمة الحركة والدوران، تبدأ من حيث تنتهي .... وتنتهي من حيث تبدأ. بمعنى آخر أن الطفل الذي تبدو عليه أعراض السلوك العدواني والتنمر هو انعكاس لسلوك عدواني آخر يراه ويحاكيه ومن ثم يتقمصه، ويمارسه على الأخوة في المنزل أو الزملاء في رياض الأطفال أو المدارس، وهذا المصدر الذي قلده الطفل قد يكون نموذج الأب المسيطر أو نموذج الأم المتسلطة ، قد يكون الجد مصدر السلطة والقوة في العائلة الكبيرة. وقد يكون في تقليد لأخيه الأكبر صاحب السلطة ، أو قد يكون بطل لأحد أفلام العنف والجريمة، وربما يكون نتاج أسلوب التربية الخاطئ الذي يعتبر أن صنع الإنسان الناجح أو بناء الشخصية للطفل ذكر أو أنثى هو بتعليمه الاستقواء على الآخرين وأخذ الحق باليد أولا بأول، إضافة لما ذكر فإن الظروف البيئية القاسية أحيانا تولد العنف الاجتماعي والسلوك العدواني، فشعور الطفل بالفقر والحرمان والجوع الشديد قد يولد الحقد والكراهية من الآخرين وبالتالي النقمة والعنف ضد كل مايصدر عن المجتمع من قوانين وأنظمة مما يجعله يعاند ويتمرد ويرفض السلوك السوي. أيضا وجود الطفل أحيانا في أسرة مفككة بسبب موت أحد الوالدين أو الطلاق أو وجود الزوجه الثانية هي أيضا من محركات السلوك العدواني ... شعور الطفل بالغيرة والإحباط من الأخوة أحيانا أو زملاء الدراسة والتمييز بالمعاملة كلها أسباب ودوافع للسلوك العدواني. وعليه ما ينطبق على مراحل الطفولة ينطبق على المراحل الأخرى .. أيضا شعور الموظف بالظلم والغبن أحيانا وهضم حقه في الترقيات والمكافآت والتمييز بالتعامل بين الموظفين، يولد شعور بالإحباط ونزعة نحو السلوك العدواني. كما أن شعور الإنسان أينما وجد بالاضطهاد والظلم والقهر يولد لديه هذه المشاعر العدوانية .... فنجد أن المتعلمين أو المثقفين أو الكتاب يمارسون العدوانية أحيانا، من خلال الكتابة والتأليف ويفرغون طاقاتهم بالتعبير عن هذا الظلم بوسائل أدبية وفنية كالأعمال التلفزيونية واللوحات والروايات وغيرها، وأما في حال غياب الوعي والثقافة نجد أن هذا الظلم أو القهر والحقد قد يولد العنف والعدوانية التي قد تؤدي أحيانا للجريمة، ومن هنا نجد أن الحجم الأكبر لجرائم الأحداث أو حتى الراشدين، تعود في أغلبها للمعاناة الاجتماعية والظروف القاسية التي يعيشها هؤلاء الأفراد.
من جهة أخرى غياب التربية الأسرية السليمة والبيئة المدرسية النقية والمجتمع النظيف، وغياب الوازع الديني والأخلاقي قد يكون أيضا من أسباب ظهور العنف الاجتماعي والاستقواء والتنمر، على الرغم من تعلم بعض الأفراد ووصولهم لدرجة علمية ومهنية عالية، إلا أن العنف الاجتماعي كسلوك ظاهر قد نجده بين بعض الفئات من أطباء ومهندسين ومحامين ومدراء ومعلمين وتجار وعمال وأصحاب شركات ومؤسسات ......الخ وهذه النماذج العدوانية لا تعود في أسبابها للظروف البيئية السيئة او الضغوطات الاجتماعية ، وإنما بسبب الأخطاء الشائعة في التربية في تعزيز سلوك التنمر والتصفيق له . أو التهاون في نمو التنمر منذ الصغر وعدم معالجته مبكرا ، أو لقناعات اجتماعية خاطئة تجعلهم يؤمنون أن هذا الأسلوب هو سلاح دفاعي يقوي شخصيتهم ويحميهم من الهجوم عليهم . ولذلك يتطلب منا كآباء وكأمهات ومربين ومرشدين ومعلمين الانتباه لهذه الظاهرة والعمل الجاد لمراقبة سلوك أطفالنا وعدم الاستهانة بنتائج ومخلفات وعواقب السلوك العدواني اتجاه الأخوة والأخوات وزملاء المدرسة ، لأن متابعة السلوك في بدايته يسهل تقويمه فالوقاية خير من العلاج . والأصل في التربية السلوكية السوية للأطفال البناء والوقاية قبل العلاج ، والأهم القدوة الجيدة في المنزل بضبط سلوك الوالدين خصوصا في أسلوب مناقشة الخلافات الأسرية ، بحيث لايتم ذلك أمام الأطفال. ومن جهة أخرى نموذج المعلم الجيد والمؤهل لتعليم ونمذجة سلوك الأطفال .