بقلم : ادريس الكنبوري
يعيش حزب العدالة والتنمية المغربي هذه الأيام أحلك فتراته منذ نشأته في العام 1997 نتيجة اندماج بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي كان حزبا فارغا احتله الإسلاميون، فقد أربكت الحكومة الجديدة برئاسة الرجل الثاني في الحزب سعدالدين العثماني أعضاء الحزب ومسؤوليه، ووضعت الحزب في أزمة حقيقية نتيجة للصورة التي ظهرت عليها الحكومة.
وقد اعتبر بعض أعضاء الحزب أن العثماني قدم تنازلات كبيرة خلال مشاوراته مع الأحزاب السياسية، وأنه لم يكن يرجع إلى الأمانة العامة لتقديم المعطيات حول تلك المشاورات وأخذ رأي أعضائها، بل تصرف من تلقاء نفسه وتوافق مع الأحزاب الأخرى حول توزيع الحقائب الوزارية، وكانت النتيجة أن الحزب لم يتسلم سوى الوزارات التي لا تأثير لها في السياسات الكبرى للدولة، بالرغم من أنه حصل في الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي على المرتبة الأولى بـ125 مقعدا برلمانيا، وبفارق كبير عن الحزب الثاني، بينما حصل حزب التجمع الوطني للأحرار على أهم الحقائب الوزارية مثل الاقتصاد والمالية والصناعة والفلاحة والعدل.
ومن ضمن الانتقادات التي وجهت إلى العثماني أيضا أنه سمح بإعطاء عدد من الوزارات المهمة، كالتعليم والبحث العلمي والداخلية، إلى وزراء غير متحزبين، الأمر الذي سوف يمكن تيار التكنوقراط من القدرة على التأثير في سياسات الحكومة خلال المرحلة المقبلة، وربما يؤدي إلى الصدام بين الحزب الذي يقودها وبين هذا التيار، الذي يتوفر على خبرة كبيرة في دواليب الدولة.
بيد أن هذه الانتقادات، على أهميتها، هي مجرد محاولة لإخلاء ذمة الحزب من المسؤولية، بل إنها تبدو وكأنها مناورات يقوم بها بعض الأعضاء لتبرير حجم التنازلات التي قدمها العثماني، على مرأى ومسمع من الحزب ذاته، من غير أن يتدخل أثناء المشاورات.
فالأعضاء البارزون في الحزب، أمثال محمد يتيم ومصطفى الرميد والحسن الداودي وآخرين، حصلوا على حقائب وزارية في هذه الحكومة، ومنهم من كان يوصف في السابق بأنه من تيار “الصقور” داخل الحزب، لكن دخولهم الحكومة الجديدة يبرهن على أنهم كانوا يقاسمون العثماني مواقفه خلال المشاورات مع الأحزاب السياسية، كما كانوا على اطلاع بكل ما تم خلف الكواليس، خصوصا وقد ثبت بأن العثماني كان يضع رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بن كيران في الصورة خلال الخطوات التي قطعها في مشاوراته.
ويمكن اعتبار هذه الانتقادات، وتعمد ترويجها، عملية تجميل للانقلاب الذي قام به الحزب على نفسه أولا، وعلى أمينه العام عبدالإله بن كيران ثانيا.
ذلك أن الحزب حاول تسويق خطاب يحاول أن يعطي صورة خاطئة عما جرى بداخله، خطاب يقول بأن المشكلة في سعدالدين العثماني وحده وليست في الحزب، من أجل التغطية على حقيقة أن الحزب الذي كان يساند بن كيران في شروطه التي طرحها أثناء المفاوضات مع الأحزاب هو نفس الحزب الذي سار خلف العثماني، وقبل أعضاؤه البارزون تقلد مناصب وزارية في صمت كامل.
ولذلك تبدو تلك الانتقادات الموجهة إلى العثماني وكأنها لعبة مسرحية لتبرير التحول الطارئ في مواقف الحزب من المشاورات وإسقاط “الفيتوهات” التي كان يرفعها بن كيران في وجه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رافضا قبول مشاركته.
الحكومة الجديدة أوقعت الحزب في ورطة سياسية لم يكن يتوقعها، كما أن رحيل بن كيران عن الحكومة، الذي يسبق رحيله عن أمانة الحزب في المؤتمر المقبل، ترك فراغا كبيرا بداخله، فالكثير من الناخبين ارتبطوا به شخصيا، ومنحوا أصواتهم للحزب في الانتخابات السابقة بسبب طريقته المتميزة في الخطابة وشعبويته غير المعتادة في المشهد السياسي المغربي، على الرغم من خلو سجله الحكومي من إنجازات حقيقية يمكن الدفاع عنها.
المصدر : صحيفة العرب