ادريس الكنبوري
وضعت الهجمات الإرهابية الأخيرة التي حصلت في إقليم كاتالونيا جنوب إسبانيا، وكان وراءها منفذون مغاربة من المهاجرين، حصيلة التعاون الأمني والاستخباري بين إسبانيا والمغرب على المحك. فبالرغم من وجود اتفاقيات للتعاون الأمني والقضائي بين البلدين منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنها تعد غير كافية بالنسبة للطرف الإسباني الذي يرى في تزايد الهجمات الإرهابية حافزا على المزيد من تكثيف التنسيق مع الرباط.
وقد جاءت زيارة وزير الداخلية الإسباني للمغرب في الأسبوع الماضي لتعكس اهتمام مدريد بالمغرب كطرف أساسي في أي استراتيجية لمواجهة التحديات الإرهابية، وحاجتها إلى تنويع المقاربة التي انتهجتها خلال السنوات الماضية، بحيث يتم إدخال العامل الديني ضمن مستويات التعاون القائم بين الجانبين، وهي سابقة أولى من نوعها، لأن إسبانيا كانت ترفض في الماضي الاعتراف بدور المغرب في الإشراف على النشاط الديني المرتبط بالمهاجرين المغاربة، نظرا لوجود حساسيات سياسية وتاريخية.
كان أمرا مثيرا للانتباه أن يصرح وزير الداخلية الإسباني خوان إيناسيو في الندوة الصحافية التي عقدها مع نظيره المغربي عبدالوافي لفتيت بالرباط بأن المنفذين المغاربة للهجمات الإرهابية في برشلونة نشأوا وتعلموا في إسبانيا، فقد كانت بمثابة رد قوي من الحكومة الإسبانية على الاتهامات التي صدرت عن وسائل الإعلام الإسبانية وبعض السياسيين اليمينيين غداة الهجمات، والتي حملت المغرب المسؤولية عن تطرف أولئك المنفذين لمجرد أن أصولهم مغربية، كما كانت في ذات الوقت رسالة من مدريد مفادها أن هناك مسؤولية مشتركة بين البلدين في تدبير ملف الهجرة والمهاجرين في إسبانيا، وأن هذه الأخيرة تعوّل على الرباط.
بعد تجربة طويلة مع الوجود الإسلامي فوق أراضيها تجد إسبانيا اليوم نفسها في مأزق في ما يتعلق بتسيير أوضاع المسلمين بها. فتورط إمام مغربي في تلك الهجمات جعل الأنظار تتجه إلى المساجد الموجودة في الأقاليم الإسبانية، والتي لا تخضع في غالبيتها للمراقبة، ودفع إسبانيا إلى التفكير في إعادة النظر في سياساتها تجاه الوجود الإسلامي بها. ويوجد في إسبانيا حوالي مليوني مسلم، 800 ألف منهم تقريبا مغاربة، والباقون من جنسيات مختلفة، وبها ما يقرب من 1400 مسجد، غالبيتها عبارة عن قاعات أو مرائب غير خاضعة للمراقبة، إذ بناء على الاتفاقية الموقعة بين وزارة العدل والمفوضية الإسلامية في إسبانيا عام 1992 تتيح الدولة حرية التصرف في تعيين الأئمة، وتوكل مهمة تكوينهم إلى المنظمات التمثيلية للمسلمين، وقد أصبح هذا الإطار القانوني ثقيلا على الدولة الإسبانية، وهناك من يرفع صوته داخل إسبانيا مطالبا بتعديل تلك الاتفاقية، بل هناك من يعتبرها متجاوزة ويجب توقيع اتفاقية جديدة في ضوء المتغيرات التي حصلت في البلاد طيلة أكثر من عقدين من الزمن.
يشكو المسلمون في إسبانيا من تعدد المنظمات التمثيلية لهم، ويشكون من أن المفوضية الإسلامية تسير برأسين، إذ هي مكونة من اتحاد الجمعيات الإسلامية والفدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية وبينهما صراع قوي، ما يضع عقبات أمام توحيد معايير تدبير الملف الديني. وبينما يكمن جزء من الحقيقة في حالة التشرذم وسط المسلمين، يكمن الجزء الآخر في السياسة الإسبانية التي تشجع الانقسام لأنه يخدم مصلحتها.
ولكي تخرج إسبانيا من المأزق اقترحت على المغرب الإشراف على تكوين الأئمة العاملين في مساجدها، أسوة بما قامت به فرنسا وبلجيكا. لكن المغرب يرى ضرورة تغيير الهيكل المؤسساتي الخاص بالممارسة الدينية وبالمساجد في إسبانيا وأوروبا عموما، بما يجعله متطابقا مع واقع بلدان الاستقبال، وهو اقتراح يعني ازدواجية الإشراف بين البلدين على المساجد والخطباء. وتدرك إسبانيا أن تدبير الملف الديني الخاص بالإسلام فوق أراضيها يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التحوّلات التي تجري في بلدان المسلمين، وأن تقطع مع النموذج الذي تتصرف بمقتضاه إزاء الديانات الأخرى، لكن هذا التغيير يتطلب إعادة النظر في اتفاقية 1992 والانفتاح على النموذج المغربي.