بقلم - ادريس الكنبوري
تنظيم بوكو حرام يسير برأسين بعد الخلاف الذي حصل داخله عام 2015 عندما اختار أبومصعب البرناوي، ابن مؤسس التنظيم، مبايعة تنظيم داعش، فيما اختار أبوبكر شيكو البقاء على الحياد والدعوة لإقامة نظام إسلامي في البلاد.
في أول ظهور علني له بعد اختفاء استمر لعدة أشهر، لوّح زعيم جماعة بوكو حرام النيجيرية، التي تعد أكثر الجماعات المسلحة دموية في أفريقيا، أبوبكر شيكو بمواصلة القتال ضد الحكومة، وقال إن الجماعة “في وضع جيد ولم يحصل لنا شيء”، وأعلن تبني حركته للعمليات الإرهابية الأخيرة التي حصلت خلال الأسبوع الأخير من العام 2017 في ثلاثة مواقع رئيسية بالبلاد وخلفت عددا من القتلى بين مدنيين وعسكريين.
وتضاف هذه العمليات إلى سلسلة طويلة من الأعمال الإرهابية، إذ منذ الإعلان عن هذا التنظيم قبل أكثر من عشر سنوات، وصلت حصيلة القتلى إلى نحو ثلاثين ألفا، بينما ناهز عدد النازحين من المناطق التي يسيطر عليها حوالي المليونين، هذا علاوة على أعمال الخطف، كما حصل عام 2014 عندما اختطف التنظيم ما يزيد على مئتي فتاة من إحدى المدارس.
الخروج العلني لشيكو، الذي يظهر في أشرطة الفيديو في هيئة غير طبيعية وكأنه تناول المخدرات قبل التسجيل، يأتي بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على تصريحات الرئيس النيجيري محمد بوخاري، عشية الاحتفالات بنهاية السنة الميلادية، التي قال فيها إن الحكومة قضت على تنظيم بوكو حرام الإرهابي، وإن العمليات التي تحصل بين الحين والآخر هي عمليات معزولة، لأنه “حتى البلدان الأكثر استقرارا لا تستطيع أن تحول دون تنفيذ المجرمين لعمليات إرهابية”. وقد اعتُبر ظهور شيكو بمثابة تحد أمام الحكومة، التي تجد نفسها في محنة صعبة نتيجة حرب الاستنزاف التي تخوضها ضد هذا التنظيم المسلح منذ سنوات طويلة، وخصوصا بالنسبة إلى الرئيس الحالي الذي انتخب عام 2015 وتعهد بدحر الإرهابيين وقدم على ذلك ضمانات للمواطنين النيجريين.
واستقبلت نيجيريا العام الحالي بواد من الدماء، فقد نفذ تنظيم بوكو حرام خلال الأيام القليلة الماضية عددا من العمليات الإرهابية في شمال البلاد، مستهدفا مسجدا في منطقة غامبورو، على الحدود مع الكاميرون، حيث استغل مراهق يحمل حزاما ناسفا تجمع العشرات من المصلين في صلاة الفجر وفجر نفسه، مخلفا حوالي عشرين قتيلا، بينهم والد الانتحاري نفسه، في مفارقة غريبة تعكس النزعة التدميرية للإرهاب. وخلال عطلة نهاية السنة نفذ التنظيم عمليات إرهابية في عدد من نقاط المراقبة على الحدود بين البلدين، حصلت خلالها مواجهات مع قوات الأمن المتواجدة بالمكان، وخلفت تسعة قتلى بحسب حصيلة رسمية.
ومنذ فترات طويلة لم يعد خطر التنظيم قاصرا على نيجيريا، حيث ظهر لأول مرة عام 2002، بل امتدت عملياته إلى بلدان مجاورة مستغلا هشاشة المراقبة على الحدود وحركة العبور بينها لتهريب عدد من مقاتليه. وتمكن من التسلل إلى شمال مالي، حيث توجد مجموعات إرهابية مسلحة منذ 2012، مستعملا وسائل النقل العمومية وسط المواطنين النيجيريين دون إثارة انتباه دوريات المراقبة التي يضعها الجيش لمنع تسلل الإرهابيين. ويعتقد أن التنظيم يهرّب مقاتليه إلى شمال مالي من أجل تلقي دروس تكوينية في الجهاد ومواد الشريعة، قبل توجيههم إلى ضرب أهداف تابعة للحكومة النيجرية أو الجنود الأميركيين، ولكن هذا الأمر يظهر خطورة توسع الجماعات المسلحة في المنطقة ويضع حكومات المنطقة أمام احتمال مواجهة سيناريو التنسيق أو التعاون بين هذه الجماعات.
فالتنظيم اليوم يسير برأسين، بعد الخلاف الذي حصل داخله عام 2015 عندما اختار أبومصعب البرناوي، ابن مؤسس بوكو حرام محمد يوسف، مبايعة تنظيم الدولة لأبي بكر البغدادي، فيما اختار شيكو البقاء على الحياد والدعوة إلى إقامة نظام إسلامي في البلاد، وعلى العكس مما يبدو أن هذا الانقسام أضعف التنظيم، فإنه زاد من شراسة وهمجية الفصيلين اللذين أصبحا يتنافسان على تنفيذ أكثر العمليات الإرهابية بشاعة لإثبات الذات، ولعل هذا ما يفسّر العودة القوية لفصيل شيكو إلى مسرح العمليات وظهوره في شريط الفيديو الأخير، إذ يبدو أنه يراهن على كسب المزيد من النفوذ قبالة الفصيل الآخر بعد انهيار تنظيم داعش، ليعلن نفسه اللاعب الوحيد في ساحة الإرهاب.