بقلم - ادريس الكنبوري
توالي الانقلابات العسكرية فوت على بلدان القارة فرصا ثمينة كان يمكن توظيفها في خلف نموذج تنموي، وهو ما تدفع هذه البلدان كلفته اليوم من خلال التهديدات الإرهابية والتخلف والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والهجرة.
لم يكن مفاجئا أن استيلاء الجيش على السلطة في زمباموي ووضع الرئيس روبرت موغابي رهن الإقامة الإجبارية لم تصحبهما أي احتفالات في شوارع العاصمة هراري أو خروج المواطنين للتظاهر والتعبير عن فرحتهم بسقوط نظام غير ديمقراطي ألصقت به العديد من التجاوزات وعرف بأنه أكثر النظم السياسية الأفريقية استبدادا. فالبرود الذي تم به استقبال نبأ الانقلاب واستيلاء المؤسسة العسكرية على الحكم يعد مؤشرا واضحا على أسلوب تعامل المواطنين الأفارقة مع عودة الانقلابات العسكرية، إذ لا يرى هؤلاء أن الانقلابات يمكن أن تقود إلى الديمقراطية، بل إنها فقط مجرد عملية جراحية لتغيير الفرقة الحاكمة بأخرى لن تكون أحسن ولا أسوأ منها.
يرتبط هذا الأسلوب في التعامل مع الانقلابات في القارة الأفريقية بزوال الأيديولوجيات التي كانت في الماضي تنهض مبررا لتسويق النخب الحاكمة الجديدة، وتقديم أي انقلاب عسكري بوصفه آلية انتقال ضرورية نحو الديمقراطية، أو مرحلة في الانتقال الديمقراطي.
وفي ظل أنظمة استبدادية ومغلقة لا يسمح فيها بالتعددية السياسية أو بنظام الأحزاب والتداول على السلطة، ظلت المؤسسة العسكرية هي اللاعب الرئيسي في كل الانقلابات التي حصلت في عدد كبير من البلدان الأفريقية منذ حصولها على الاستقلال السياسي إبان الستينات وحتى بداية الثمانينات من القرن الماضي، كما هو الشأن بالنسبة لزمبابوي. ورغم أن الانقلابات كان يقودها جنرالات محسوبون على النظام الحاكم ويستفيدون من سياسة القرب من النظام، مما كان يجعل استيلاءهم على السلطة نوعا من إعادة إنتاج التجربة السابقة بطريقة مغايرة، إلا أن تلك الانقلابات كان يروج لها على أنها فرصة للقطع مع الدكتاتورية وبناء نموذج ديمقراطي جديد، وذلك بهدف كسب ثقة المواطنين.
تعد القارة الأفريقية أكثر المناطق في العالم التي شهدت نسبة أعلى من الانقلابات التي نفذها عسكريون، منذ أن حصلت البلدان الأفريقية على استقلالها. فمنذ ستينات القرن الماضي إلى اليوم حصل ما يربو على مئتي انقلاب عسكري، وهو رقم كبير جدا. وإذا حاولنا أن نحول هذا الرقم إلى لغة السياسة فإن تلك الانقلابات كانت مؤشرا على هشاشة الأنظمة السياسية في القارة وعدم قدرتها على الاستمرار، وأيضا على غياب الاستقرار السياسي. أما بلغة الاقتصاد فإن تلك الانقلابات شكلت عاملا مهما في عرقلة التنمية والاستثمار في البلدان الأفريقية بشكل أضر كثيرا بشعوبها، لأن توالي الانقلابات العسكرية فوت على بلدان القارة فرصا ثمينة كان يمكن توظيفها في خلف نموذج تنموي، وهو ما تدفع هذه البلدان كلفته اليوم من خلال التهديدات الإرهابية والتخلف والهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والهجرة هربا من مناطق الفرص المضيعة.
ورغم ما بدا خلال السنوات الماضية من أن القارة قد قطعت بشكل شبه نهائي مع أسلوب الانقلابات، بسبب التحولات على الصعيد العالمي والاهتمام أكثر بالاستقرار في مواجهة التهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية المسلحة، إلا أن المحاولتين الانقلابيتين اللتين حصلتا في كل من بوروندي وبوركينا فاسو عام 2015 كشفتا أن القارة الأفريقية ما زالت على موعد مع ذلك الأسلوب القديم الذي كان رائجا في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي نتيجة المناخ الدولي والحرب الباردة بين القطبين الرئيسيين في الساحة الدولية آنذاك.
ويشبه الانقلاب الذي حصل في زمبابوي الأربعاء الماضي في طريقة إخراجه، الانقلاب الذي حصل في بوركينا فاسو في سبتمبر 2015، فقد نفذه جنرالات وعسكريون من الحاشية المقربة للرئيس، وتم عزله ووضعه تحت الإقامة الإجبارية لإبعاده عن محيطه الرئاسي، وهو نفس السيناريو الذي اتبع في الانقلاب على موغابي. ويعني هذا أن الانقلابات في القارة لا تدل بالضرورة على إحداث نقلة نوعية في أسلوب السلطة عبر تغيير الماسكين بزمامها، بقدر ما تعني مجرد تغيير في النخبة الحاكمة، وبمعنى آخر تغيير الحكام في ظل استمرارية النظام، بينما تظل الديمقراطية طموحا بعيدا للأفارقة.