بقلم : ادريس الكنبوري
بعد قرابة نصف السنة من المشاورات السياسية التي أعقبت انتخابات أكتوبر من العام الماضي، أزاح العاهل المغربي الملك محمد السادس الستار عن الحكومة الجديدة، منهيا بذلك حالة الركود السياسي الذي عاشته المملكة طيلة ستة أشهر شهدت الكثير من الجدل في الوسط الحزبي بسبب عدم قدرة حزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام عبدالإله بن كيران على إقناع الأحزاب بشراكة سياسية، قبل أن يتم إعفاؤه وتعيين سعدالدين العثماني مكانه، والذي أجرى مشاورات طيلة ثلاثة أسابيع مكنت من تقديم اللائحة النهاية للوزراء الجدد إلى القصر الذي وافق عليها.
الحكومة الجديدة خضعت – في ما يبدو- لمنطق سياسي يغلّب النجاعة على حساب الترضيات السياسية، وذلك تنفيذا للتوصيات التي وجهها الملك محمد السادس في خطابه الذي ألقاه في شهر نوفمبر الماضي من العاصمة السنغالية داكار، حيث أكد على أهمية أن تكون الحكومة المقبلة ذات برنامج واضح وأولويات محددة للقضايا الداخلية والخارجية وعلى رأسها أفريقيا، وقال “وسأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة طبقا لهذه المعايير وفق منهجية صارمة، ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها”.
انعكس هذا التوجه على عدد الوزراء، إذ لم تضم الحكومة الجديدة سوى 28 وزيرا، بالرغم من أنها تتشكل من ستة أحزاب، وذلك مقارنة بحكومة عبدالإله بن كيران عام 2011 التي تشكلت فقط من أربعة أحزاب لكنها مع ذلك ضمت 39 وزيرا. وسبب هذا التضخم في عدد الحقائب الوزارية أن بن كيران غلّب في ذلك الوقت منطق الترضيات السياسية من أجل الحصول على تزكية الأحزاب التي شاركت مع حزبه في الائتلاف الحكومي، وهو ما أثر على أدائها بشكل واضح، وأفقدها الانسجام السياسي المطلوب لتطبيق البرنامج الذي تم التصويت عليه في غرفتي البرلمان، بل أدى ذلك إلى انسحاب حزب الاستقلال عام 2013 احتجاجا على رئيس الحكومة، قبل أن يتم تعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار.
علاوة على ذلك فقد لوحظ في هذه الحكومة الجديدة تفويض الحقائب الوزارية ذات الحساسية بالنسبة لسير الدولة إلى وزراء من التكنوقراط من غير ذوي الانتماء الحزبي، إذ احتلوا المرتبة الثانية من حيث عددهم بعد وزراء حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة. وهذا أمر له أكثر من دلالة.
فبالعودة إلى خطاب الملك في داكار نجد أن الرهان الأساسي للدولة هو الحفاظ على بعض القطاعات الحيوية ذات الطابع الاستراتيجي، التي من شأن تعيين وزراء متحزبين على رأسها أن يؤثر على أدائها. كما أن وجود عدد أكبر من الوزراء غير المنتمين توجد وراءه رسالة سياسية إلى الأحزاب التي تعيش عقما واضحا، ولم تعد هيئات لإنتاج الكفاءات التي يمكن للدولة الاعتماد عليها، بقدر ما أصبحت نوادي لإخراج المتسلقين الطامعين في المناصب الوزارية.
وقد حافظ بعض الوزراء غير المنتمين على الحقائب التي كانوا يديرونها في الحكومة السابقة، على رأس هؤلاء أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي يتولى هذه الحقيبة منذ العام 2002، وأطلق مخطط إعادة هيكلة المجال الديني. ويظهر أن بقاءه في هذه الحكومة – والحكومة السابقة – مرده الاهتمام الذي توليه الدولة إلى الحقل الديني.
وقد تمثلت المفاجأة في تولي وزير الداخلية في الحكومة السابقة محمد حصاد، حقيبة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وهي سابقة من نوعها، إذ لم يسبق أن تم تعيين وزير داخلية وزيرا للتعليم. والمرجح أن الدولة باتت تولي ملف التعليم اهتماما أكبر، ذلك أن المغرب يسعى إلى وضع استراتيجية جديدة في مجال التعليم، كلف المجلس الأعلى للتعليم بوضع تصور شامل لها، وستكون أمام الوزارة مهمة تنزيل تلك الاستراتيجية، وفق رؤية تربط هاجس الأمن مع هاجس التجديد في المناهج.