بقلم : ادريس الكنبوري
دخل حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يقود الحكومة الحالية، مرحلة شد الحبل بين قطبيه الرئيسيين، القطب الذي يقوده عبدالإله بن كيران، الذي قاد الحكومة السابقة لفترة خمس سنوات، والقطب الذي يقوده سعدالدين العثماني، الذي يرأس الحكومة الحالية، وذلك في أفق المؤتمر الوطني المقبل الذي سيعقد نهاية العام الجاري.
فبعد أن اختفى بن كيران لفترة قصيرة، بعد إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة من طرف القصر في أبريل الماضي وتعيين العثماني محله، وأعلن في لحظة نشوة وكبرياء أنه قد يبتعد عن العمل السياسي وأنه لا يرغب في ولاية ثالثة على رأس الحزب، عاود الظهور مجددا من بوابة الهجوم غير المباشر على حكومة العثماني، التي يشارك فيها عدد من قادة الحزب البارزين.
وفي الأسبوع الماضي عقد لقاء مع مستشاري حزبه وجّه خلاله إشارات متعددة في أكثر من اتجاه، وانتقد الحكومة انتقادا مبطنا، ودافع عن مرحلة رئاسته للحكومة السابقة، وطلب من حزبه علنا ممارسة مهام المعارضة، لأنه يرى أن عدم قيام الحزب بهذا الدور سيساهم في إنهاء مساره في الحياة السياسية المغربية، حسب قوله.
ويدفع بن كيران الأجهزة الموازية للحزب إلى اتخاذ مواقف مؤيدة له من وراء الستار، نكاية في الحكومة ودفاعا عن شخصه هو. فبعد إلحاق أربعة أعضاء جدد بالأمانة العامة قبل أسبوعين لخلق التوازن مع الأغلبية التي تختلف معه، عقدت شبيبة الحزب نهاية الأسبوع الماضي اجتماعا لها خرجت على إثره ببلاغ أثار استياء الكثيرين داخل الحزب، وفجّر وابلا من الانتقادات في الساحة السياسية والإعلامية، إذ أكد المكتب الوطني للشبيبة أنه “يطلب من الأخ الأمين العام الاستمرار في ممارسة أدواره الوطنية حالا ومستقبلا، باعتباره أملا لفئات واسعة من الشعب المغربي التي آمنت بمنطق الإصلاح في ظل الاستقرار”.
بن كيران أصبح يرى في ولاية ثالثة على رأس الحزب، خلال المؤتمر المقبل، خشبة الخلاص من المأزق الذي يعيشه جراء خروجه من الحكومة واحتلال العثماني الواجهة، الأمر الذي بات يهدد مستقبله السياسي. ويرى الكثيرون في المواقف المتقلبة لبن كيران جانبا شخصيا، ففي السابق كان يقول إنه إذا طُلب منه مغادرة الحكومة فسيبتعد دفاعا عن مصلحة البلاد، واليوم يسدد الضربات إلى حكومة يقودها أعضاء من حزبه، ويحاول أن يضع في طريقها العراقيل.
بيد أن بن كيران لم يتحل بالشجاعة لدعوة المجلس الوطني للحزب واستصدار قرار منه بالخروج من الحكومة، كما فعل حزب الاستقلال عام 2013 عندما كان مشاركا في الحكومة التي قادها بن كيران. والراجح أنه يشعر بأنه يمثل أقلية داخل المجلس الوطني ولا يريد أن يتلقى ضربة موجعة، ولذلك لجأ إلى المماطلة في عقد اجتماع المجلس، الذي طالب به الكثيرون، ولم يوافق على ذلك إلا في الأسبوع الماضي، لكن فقط لكي ينصبّ الاجتماع على مناقشة الأوراق الخاصة بالمؤتمر وليس مناقشة ظروف تشكيل الحكومة.
شهد الاجتماع الأخير للأمانة العامة للحزب نقاشا صاخبا بين بن كيران والوزراء في الحكومة، فقد هاجمه هؤلاء بسبب إلحاقه لأربعة أشخاص جدد بالأمانة العامة، بدعوى “إعطاء تمثيلية أكبر لبعض التيارات”، وكان رد هؤلاء أنه عندما كان رئيسا للحكومة السابقة كان ضد فكرة التيارات داخل الحزب، لأنه كان يقود الحكومة والحزب معا ويحتاج إلى توحيد المواقف وراءه، واليوم يتراجع عن تلك الفكرة لأنها لم تعد تخدمه.
وأمام هذه الأزمة التي تسببت فيها مواقف بن كيران من حكومة العثماني وسعيه إلى البقاء على رأس الحزب، دخل مسؤولون من حركة التوحيد والإصلاح- الجناح الدعوي للحزب- على خط الصراع مهاجمين بن كيران شخصيا، معتبرين أنه يدافع عن مصلحة شخصية لا عن مصلحة الحزب، وأنه يدفع في اتجاه تعديل قوانين الحزب بما يضمن له انتخابه لولاية ثالثة، رغم أن القوانين الحالية لا تسمح بذلك. وهاجم أحد أعضاء الحركة، وهو أحمد الشقيري الديني، تصريحا لبن كيران قال فيه “نُصرت بالشباب”، في إشارة إلى شبيبة حزبه والبيان الذي أصدرته داعية إلى بقائه في قيادة الحزب.
وبدخول الحركة على خط الخلاف داخل الحزب، ينكشف مدى الترابط بين الاثنين، عكس ما يردده الحزب من أن لا علاقة له بالحركة. وبانتظار المؤتمر المقبل تطرح التساؤلات عما إن كان تيار بن كيران سيذهب إلى الحد الأقصى في رفضه للحكومة الحالية، وحول الخيارات المتاحة أمام العثماني وأنصاره داخل الحزب.