ادريس الكنبوري
بعد انكماش قصير بسبب التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، واحتلال تنظيم داعش أو"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" ـ الذي يتزعمه أبو بكر البغدادي ـ لصدارة الأخبار، عاد تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري إلى البحث عن موقعه مجددا في واجهة الأحداث، لكي يطل برأسه وسط رماد الكوارث التي يتراكم بعضها فوق بعض. إذ الواضح أن جماعة داعش في العراق وسوريا، وما أثارته وتثيره من اهتمام دولي واسع لا يشبهه سوى ذلك الاهتمام بتنظيم القاعدة غداة تفجيرات الحادي عشر من شتنبر 2001، قد غطت على مكانة تنظيم القاعدة في مواقع الأخبار ومراكز البحث، وبالضرورة في دوائر القرار السياسي والعسكري، على الأقل في الظرفية الراهنة قياسا على المرحلة الفائتة.
فقد أعلن الظواهري أن التنظيم انتهى من تشكيل فرع جديد له في شبه القارة الهندية، تحت مسمى"قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية". وقال الظواهري في تسجيل صوتي له إن ذلك الفرع "بشرى للمسلمين "في بورما وبنجلادش وآسام وجوجارات وأحمد اباد وكشمير"، وإن الجناح الجديد "سينقذ المسلمين من الظلم والقمع"، كما تعهد زعيم القاعدة وخليفة أسامة بن لادن بالولاء للملا محمد عمر زعيم حركة طالبان، الذي كان أصحابه يطلقون عليه لقب"أمير المؤمنين" قبل أن يتم إسقاط نظامه عام 2001 بغارات أمريكية.
ويظهر أن التنظيم بات يشعر بأنه أصبح مهددا من حيث مشروعية تمثيله للحركات الجهادية العالمية، بسبب ارتفاع أسهم تنظيم داعش وسط المجندين الشباب، الباحثين عن مغامرات جهادية جديدة ومختلفة. فقد أصبح إسم ذلك التنظيم الأكثر تداولا، وهو بذلك صار يفوق تنظيم القاعدة من حيث القدرة على الاستقطاب، كونه يقدم"عرضا" ملموسا للطامحين إلى العمل الجهادي، يتمثل في مسمى"الدولة الإسلامية" المعلنة اليوم في أجزاء من العراق وسوريا، مقارنة بغياب مثل هذا العرض لدى تنظيم القاعدة.
بيد أن بيان الظواهري يؤكد أن تنظيم القاعدة استفاد من تراكم الأخطاء لدى جماعة داعش، مع الإشارة هنا إلى أن الأعمال الإجرامية لدى الجهاديين تعتبر مجرد أخطاء في العمل الجهادي يمكن تصويبها. فقد انتقد الظواهري الطريقة التي تدبر بها جماعة داعش المناطق التي استولت عليها، وتحت ذلك الانتقاد رسالة صريحة بأن تنظيم القاعدة لن يسلك ذلك السبيل في شبه القارة الهندية. كما دعا إلى وحدة الجماعات الجهادية، منتقدا"الشقاق" الحاصل بينها، وهي رسالة واضحة إلى جماعة داعش التي جعلت أولى أهدافها تصفية الحساب مع الجماعات الجهادية الأخرى، سواء كانت منافسة لها أو متكاملة مع استراتيجيتها. والموضوع الثالث والأهم الذي تطرق إليه بيان الظواهري هو التحذير من قمع السكان المحليين في المناطق التي يتوغل فيها تنظيم القاعدة، وهي إشارة غير معلنة إلى ما يقوم تنظيم داعش من تقتيل وإعدامات، سواء في صفوف المواطنين أم في صفوف أفراد الجماعات الجهادية الأخرى، إذ حذر البيان من التعرض لـ"حرمات المسلمين"، والاعتداء"على إخوانكم المجاهدين بالقول والفعل". وفي إشارة ضمنية أخرى إلى مسارعة تنظيم داعش إلى إعلان قيام دولته الإسلامية فور استيلائه على المناطق التي يستولي عليها قال الظواهري مخاطبا عناصر تنظيمه:"ان قلتم إنكم لا تبغون بجهادكم إلا الله فعليكم ألا تتسابقوا على الحكم والسلطان عند أول فرصة".
بيان الظواهري يلح ظاهريا على التمايز التكتيكي بين التنظيمين المتصارعين، لكنه محاولة ذكية في هذه اللحظة لاستثمار حالة الغليان المتصاعدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتقديم تنظيم بن لادن باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للحركات الجهادية العالمية. فالإعلان عن إقامة فرع التنظيم في شبه القارة الهندية يأتي في الوقت الذي بدأت فيه جرائم تنظيم داعش تتخذ أبعادا أكثر مأساوية وتأثيرا على الرأي العام الإسلامي والدولي، وبالتزامن مع البدء في توجيه ضربات إلى دولته المعلنة، من طرف الجيش العراقي والقوات الأمريكية. وبحكم تجربته الطويلة في العمل القتالي الميادين ربما يدرك تنظيم القاعدة أن دولة داعش قريبة الزوال، ويريد من الآن استعادة موقعه في الساحة الجهادية، استعدادا للمرحلة المقبلة التي قد تصبح فيها حركة داعش مجرد قوس فتح وأغلق وانتهى أمره.
لكن الرسالة الأكبر من وراء إعلان الظواهري إنشاء فرع في شبه القارة الهندية هي أن تنظيم القاعدة يريد أن يسلط الضوء مجددا على طابعه العالمي. إذ إلى جانب الفروع الأخرى التابعة للتنظيم في عدة مناطق من ضمنها العراق نفسه، يأتي الفرع الجديد لكي يغطي الفراغ الذي تركه تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وهو رسالة واضحة إلى تنظيم داعش المحلي، الذي مهما كانت أصداؤه الإعلامية اليوم فإن محليته وتموقعه الجغرافي يظلان نقطة ضعفه، التي يدركها تنظيم القاعدة جيدا ويريد استثمارها.