ادريس الكنبوري
تتضارب التقديرات حول تعداد السلفيين المغاربة الذين يقاتلون في الأراضي السورية، ضمن الجماعات المسلحة باختلاف توجهاتها. وفي الوقت الذي كان البعض يرفع عدد هؤلاء إلى حوالي سبعمائة شخص، أنزل تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في الأسبوع الماضي هذا العدد إلى مائة شخص فقط. الفارق الكبير بين الرقمين يعني أن الإثنين على خطأ وأن العدد الحقيقي يتردد بينهما.
بيد أن ما يثير الانتباه أن عدد السلفيين المغاربة الذين رحلوا إلى سوريا للقتال يتجاوز عددهم في كل المعارك السابقة التي كان فيها صوت الجهاد هو الذي يستقطب المقاتلين العرب من كل مكان. أحد هذه التفسيرات المقبولة هو أن أعداد معتنقي التوجه السلفي في المغرب قد تزايدت عن الفترات السابقة، لأسباب متعددة يضيق بها هذا الحيز، لكن أهمها فيما يبدو لنا أن الخطاب السلفي أصبح أكثر رواجا بفضل تطور تقنية الاتصال الجديدة وتوسع مجالها.
عادة ما يوصف السلفيون بأنهم أصحاب الحديث، لكونهم يعتمدون في صياغة مواقفهم على الحديث النبوي. لكن هذا لا يعني أنهم يقتصرون على الحديث، إلا أن المقصود هو أن هذه الصفة غلبت عليهم دون الآخرين حتى اشتُهروا بها مقابل المدارس الإسلامية الأخرى. ويعتمد التيار السلفي بشكل كبير على مسألة"التأصيل" الشرعي لمواقفه، لكن هذا التأصيل ـ مرة أخرى ـ ليس قاصرا عليهم دون باقي المسلمين، إلا أن المقصود هو أن هذه الصفة غلبت عليهم دون الآخرين حتى اشتهروا بها، لكونهم يعتمدون التفسير الحرفي للنصوص، ويحرصون على أن يجدوا لكل واقعة نصا.
وقد استقطبت سوريا كل هذا الاهتمام من لدن السلفيين المغاربة، وغيرهم من السلفيين، نظرا لوجود أحاديث نبوية كثيرة وردت في فضل بلاد الشام وفي بعض المواقع أو الغزوات التي ستحدث فيها. وتشكل هذه الأحاديث اليوم عنصر تعبئة نفسية وإيديولوجية في صفوف السلفيين، بحيث يصبح التوجه إلى سوريا تحقيقا لنبوءات وردت في هذه الأحاديث. وقد خرج الشيخ ناصر الدين الألباني وصحح العشرات من هذه الأحاديث وخصص لها كتابا سماه"تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق"، اعتمادا على كتاب قديم عنوانه"فضائل الشام".
ومن بين هذه الأحاديث الكثيرة حديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرى السلفيون أنه نبوءة بالمعركة الدائرة اليوم في سوريا:"يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ"، والحديث القائل:" ألا إن الإيمان حين تقع الفتن بالشام"، والحديث الذي ورد فيه:"الشام أرض المحشر والمنشر".
ومن يطالع كتب الحديث يجد أن ما من مكان أو بلد إلا وقد روي فيهما حديث، وأن الشام هنا ليست استثناء. فهناك أحاديث وردت في فضل المغرب الأقصى ومصر والسودان والعراق والأردن واليمن وغيرها، وهناك أحاديث وردت تخص مدنا بعينها بفضائل معينة، كعدن ودمشق وحمص والإسكندرية ومرو والبصرة، وقبل أشهر أخرج حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال حديثا في فضائل مدينة فاس، التي هو عمدة عليها. وأثناء حرب الخليج الأولى عام 1990 كانت قد انتشرت أحاديث كثيرة في فضل العراق ومعركتها الحاسمة، بل قيل إن هناك حديثا يتحدث عن فضل شخص بعينه في تلك المعركة، اتفق الناس على أن أوصافه قريبة الشبه بأوصاف صدام حسين.
وبالرغم من أن فضائل بعض الأماكن مؤكدة بالقرآن الكريم، كما أن هناك أحاديث صحيحة في فضل بعضها الآخر، إلا أن بعض العلماء يجمعون على أن السياسة والنزعة القبلية أو القومية كانت وراء وضع العديد من الأحاديث النبوية في فضل أماكن بعينها، على اعتبار أنها ليست كذبا طالما أنها ليست في مورد التحريم أو التحليل ولا يبنى عليه حكم، وإنما تستجلب بها الهيبة أو المكانة، وهذا أمر مندوب إليه. بل أحيانا كانت توضع أحاديث في ذم بعض الأماكن، لحسابات سياسية معينة، كما هو الحال بالنسبة للشام نفسها التي أشرنا أعلاه إلى أحاديث في فضلها، فقد ورد فيها أيضا حديث يقول"الجفاء والبغي في الشام".
ويرد أحد الباحثين(عمر عثمان فلاتة) السبب الرئيسي في هذا الوضع للأحاديث النبوية في مدح أو ذم أماكن بعينها إلى عمليات انتقال السلطة في القرون الأولى بين كبرى مدن الجزيرة العربية، خاصة الشام والحجاز ودمشق. وهو نفس الوضع الذي مس أشخاصا بأعيانهم وضعت أحاديث في فضائلهم، كان لمعاوية الحظ الأوفر منها، إذ كان هؤلاء يعرفون أن الحديث يشكل سلطة رمزية قاهرة، فكان وضع حديث بمثابة الحصول على سلاح لتأمين سيادة دولة، أو توطيد أركان حكم.