بقلم :توفيق بوعشرين
قطع ثلج كبيرة وضعها القضاء الإداري فوق رأس الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري «الهاكا».
المحكمة الإدارية بالرباط ألغت قرارا للهاكا سمح للتلفزيون العمومي بنقل «الإحاطات علما» من البرلمان بعد أن كانت الحكومة ألغت نقل هذه الإحاطات تفعيلا لقرار للمجلس الدستوري الذي اعتبر أن هذه الإحاطات علما تخرق مبدأ التوازن بين المؤسسات، حيث إن المعارضة كانت توظف هذه الإحاطات المنقولة إلى ملايين المشاهدين، وتقول ما تشاء دون أن تتوفر الحكومة على حق التعقيب...
لقد أدخلت «الهاكا»، وهي مؤسسة للحكامة، رأسها في عش الدبابير، وها هي تخرج وقد لسعت وعلا وجهها احمرار كبير... ما كان للهاكا أن تنزلق إلى التورط في «الصراع السياسي» الدائر بين الحزب الأول في الحكومة والمعارضة وأطراف في الدولة تسير التلفزيونات الرسمية بطريقتها وعلى هواها.
الهاكا مؤسسة حكامة إعلامية، ويجب أن تبقى في صف القانون، وأن تمسك العصا من الوسط. الجميع كان يعرف أن قرارها مجانب للقانون، وأن سماحها ببث الإحاطات علما في تلفزيونات العرايشي مخالف للدستور ولرأي المجلس الدستوري، الذي أفتى بكون هذه الإحاطات خارج الدستور ومع ذلك وضعت السيدة الهاكا نفسها في ورطة لا تحسد عليها.
في دولة القانون، لا معقب على قرارات المجلس الدستوري كيفما كان اجتهاده، أما أن تضع مؤسسة للحكامة، يا حسرة، نفسها في خدمة «حزب معارض»، وتغامر بسمعتها ومكانتها، وتصدر قرارا إداريا يتجاهل الدستور والمجلس الدستوري، فهذا أمر يبعث على «الاستغراب»، ولو كنا في دولة تقدس الدستور والقانون، لقدمت الهيئة ورئاستها استقالتهما فور صدور حكم المحكمة الإدارية التي امتلكت الشجاعة والرؤية فألغت حكم الهيئة.
إن الوقت قد حان لنقاش قانوني وسياسي هادئ حول تركيبة الهاكا، وصلاحياتها، والقانون المنظم لها. كلنا يعرف أن هذه الهاكا ولدت في سياق دستور 1996، ورأت النور على يد الفصل 19، ولم تشكل بقانون وضعته الحكومة أو البرلمان، لهذا جاءت تركيبتها مسيسة إلى أبعد مدى، ولهذا وجبت مراجعة هذا الأمر الآن في ظل الدستور الجديد والأدوار الجديدة لمؤسسات الحكامة.
حادثة السير هذه تثير انتباهنا إلى عدة ملاحظات:
أولا: للقضاء دورا كبيرا يلعبه في تطوير نظامنا السياسي وممارستنا للديمقراطية، ويستطيع القضاء، سواء الدستوري أو الإداري أو العادي، أن يفرض على الفاعلين السياسيين اللعب وفق القواعد، وهذا من شأنه أن يخلق الجذور الثقافية لدولة الحق والقانون وفصل السلط، ورقابة كل سلطة على أخرى، ومن ثم التخلص من جذور التحكم والاستبداد تدريجيا.
ثانيا: يجب أن يتفق كل الفاعلين، في الحكومة والمعارضة وفي البرلمان وفي الدولة وفي الأحزاب والنقابات، على تحييد مؤسسات الحكامة من الصراع السياسي الجاري، وكل مسؤول في هذه المؤسسات لا يستطيع أن يبعد انتماءه أو مصالحه أو مطامعه أو هواه أو قناعاته أو مخاوفه عن عمله في هذه المؤسسات، فيجب أن يغادرها إلى العمل السياسي والحزبي المباشر، لا أن يختبئ وراء أبواب مؤسسات الحكامة.
ثالثا: هناك مساحات واسعة لمعارضة الحكومة والنيل من شعبيتها وإحراجها أمام جمهورها، غير التلاعب بالدستور والقانون وقواعد اللعب النظيف في المؤسسات. وإذا لم تستطع المعارضة فعل ذلك لعجزها، فلا يجب أن تستعين بأطراف أخرى في الدولة أو المؤسسات لتقوم لها بأشغال المناولة