بقلم : توفيق بو عشرين
اليوم سيعرض رئيس الحكومة الجديد برنامجه على البرلمان، أو بالأحرى سيعرض نواياه الطيبة على أنظار ممثلي الأمة، رغم أن الهامش أمامه صغير في بلاد ميزانيتها السنوية لا تزيد على 32 مليار دولار.. بلاد ترتفع فيها نسبة النمو إلى 4,5% إذا سقط المطر، وتهوي النسبة ذاتها إلى 2% أو أقل إذا حبست السماء رزقها، أي أن السياسة في البلد منذ قرن يصنعها المطر.
ومع ذلك فإن المغاربة ينتظرون بغير كثير من الأمل من هذه الحكومة شيئا ولو كان صغيرا أو رمزيا، وهنا نعرض بعض انتظارات الناس، نصفها يتطلب مالا وجهدا وتفكيرا وإبداعا، والنصف الآخر يتطلب فقط الجرأة والشجاعة والإرادة السياسية.
يطلب الناس الشغل في بلاد يدق فيها باب العمل كل سنة 600 ألف مواطن من 15 سنة فما فوق، ابتداء من الذين يغادرون كرسي التعليم مبكرا، إلى الذين يتخرجون من مراكز التكوين المهني، إلى الطلبة الذين يخرجون من الجامعات والمعاهد بدبلومات وبدون دبلومات، إلى شعب القرى الذي يهاجر إلى المدن كل سنة بحثا عن فرصة للعيش، فيما لا يوفر القطاعان العام والخاص معا سوى أقل من 200 ألف وظيفة شغل، ويبقى 400 ألف في قاعة انتظار غير مريحة إطلاقا… ماذا ستصنع لهؤلاء يا سيد العثماني؟ القطاع العام لا يقدر سوى على طرح ما بين 10 آلاف و15 ألف منصب شغل كل سنة، فيما القطاع الخاص يحتاج إلى ثورة كبيرة لكي ينتج مناصب شغل تكفي هذا الشعب، وهنا للدولة مسؤولية كبيرة في تنشيط هذا القطاع وتحفيزه وتوسيع نشاطه ومقاولاته لتستوعب جيوش العاطلين، وكل هذا يتطلب مالا وأفكارا وجرأة ومشاريع وليس إنشاء ونوايا طيبة.
المغاربة يا سيد العثماني يطلبون منك، ثانيا، الشروع الحقيقي في إصلاح التعليم الذي انهار تماما، وأصبح مثل أغلال الحديد في أرجل بلاد تغرق. أعطاب التعليم، الذي يضم هذه السنة أكثر من سبعة ملايين، يعرفها الجميع، وهي أعطاب ظاهرة في مستوى التلاميذ الضحل في جل المواد، وظاهرة في الفوضى التي تعرفها إدارة المدارس والفصول، وظاهرة في مركزية القرار في الوزارة بالرباط، وظاهرة في اكتظاظ التلاميذ في أقسام صغيرة، وقلة الإطار التعليمي، وعدم تعويض الأساتذة الذين يخرجون إلى التقاعد، والأعطاب ظاهرة أيضا في بعد برامج التكوين عن حاجيات السوق، وفوق هذا وجود لوبي نقابي لا يفكر إلا في نفسه… لكن، قبل هذا، أزمة التعليم هي أيضا أزمة تمويل. نحن بلاد لا نصرف على التلميذ الواحد في السنة سوى 500 دولار، في حين تصرف جنوب إفريقيا على كل تلميذ 1500 دولار في السنة، والبيرو، الدولة التي في مستوانا تقريبا، تصرف 800 دولار على كل تلميذ في السنة، أما في فرنسا فالتلميذ يكلف هناك 7400 أورو كل سنة، وبلجيكا 11000 أورو… إذن، تحسين جودة التعليم يتطلب أموالا أكثر، وإطارا تعليميا أكبر، وحكامة أحسن. كيف سيحصل هذا؟ ومن أين ستأتي هذه الحكومة بالمال؟ وما هو تصورها لإخراج النموذج التدبيري للقطاع من أزمته؟
القطاع الثالث، الذي ينتظر الناس من الحكومة الجديدة شيئا فيه، هو الصحة المريضة في هذه البلاد، وما حكاية وفاة الطفلة إيديا في تنغير، التي لم تجد آلة سكانير واحدة تنقذ حياتها لا في المستشفى المحلي ولا الإقليمي، إلا خير دليل على النقص الفادح في العلاج بالمغرب. ومرة أخرى قطاع الصحة يحتاج إلى مال ومال كثير، وإلى إعادة تأهيل شاملة للمرفق العام الغارق في فوضى تدبيرية كبيرة، وإلى مراقبة ومحاسبة وصيغة جديدة لتعميم التغطية الصحية، غير نظام راميد الذي لا يسمن ولا يغني من جوع صحي. ورجاء، لو استطعتم أن تلغوا من البيانات الرسمية تلك العبارة التي تقول، عقب كل حادثة سير خطيرة: «وقد صدرت التعليمات المولوية لتتبع الحالة الصحية للضحايا عن قرب وتقديم كل الإسعافات الضرورية»، فافعلوا ذلك. هذه الجملة تجرح مشاعر الناس، هل يحتاج مريض أو مجروح أو منكوب إلى تعليمات مولوية وهو في يد طبيب؟ هل حياة البشر أصبحت رخيصة إلى الدرجة التي يحتاج فيها العلاج إلى توصية مولوية؟
إذا نجحت هذه الحكومة في خمس سنوات في التقدم 50% فقط على درب إصلاح هذه الأوراش الثلاثة، سيعلق لها المغاربة ميدالية.
الآن، هناك ثلاثة إجراءات أخرى لا تتطلب مالا لكنها تتطلب «شيئا من النحاس»، هي:
أولا: أن يكون رئيس الحكومة رئيس حكومة يحكم ولا يراقب، وألا يسمح لأي جهة بالاتصال بوزرائه من وراء ظهره، وألا يسمح لوزير الداخلية، مثلا، بأن ينقل إليه تعليمات الملك، وألا يسمح بتشكيل حكومة داخل الحكومة، وحتى وإن كانت هناك قرارات صعبة ولا يوافق عليها رئيس الحكومة، فيجب أن تمر من مكتبه لا وراء ظهره. هذا أقل احترام يمكن للعثماني أن يقدمه للدستور، لكن هذا يتطلب منه أن يكتب استقالته من اليوم الأول لدخوله إلى المكتب، ويتركها جاهزة للتوقيع كل مرة يرى فيها أنها الحل الأخير.
ثانيا، ينتظر منك المغاربة محاربة «شوية» من الفساد والريع المتدفق انهارا ووديانا في المغرب، وتحت أنظار جيوش الفقراء والمهمشين. أسس وكالة مستقلة على رأسها شخصية وطنية لا يرقى إليها شك من خوف أو طمع، وكلفها بمراقبة الصفقات العمومية ووضع دفتر تحملات دقيق. افتح طريقا سالكا لتقارير المجلس الأعلى للحسابات إلى القضاء.. آه، قلت القضاء. هذا ورش أقفل على ما فيه، ولا داعي إلى رش الملح على الجرح، مات مشروع الرميد لإصلاح القضاء وستعلن مراسيم الدفن قريبا.
ثالثا: التزم، يا سيد رئيس الحكومة، بتحسين ترتيب المغرب في التقارير الدولية لمراقبة حقوق الإنسان، والتعذيب، وحرية الصحافة، وتأسيس الجمعيات، والشفافية الدولية، وصيانة كرامة الإنسان، وحرية التظاهر، واحترام أحكام القضاء، ووقف شيء من تعسف وظلم الإدارة للناس… إذا حققت تقدما بـ30% فقط، فقد تكفر عن تنازلاتك الفظيعة في تشكيل هذه الحكومة.
هل هذا كثير؟ ما عرضناه هنا ليس إلا النزر اليسير من الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد من حكومة يعرف الجميع كيف ولدت، وهي من باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه ليس إلا.