بقلم : توفيق بو عشرين
حراك الريف ليس شغب ملاعب سيحله التدخل الأمني والقانون الجنائي وأحكام القضاء، والزفزافي ومن معه ليسوا مجرمي حق عام سيواجهون بالاعتقالات وبالمساطر القانونية، حراك الريف الذي يتمدد كل يوم مثل بقعة الزيت، مشكل سياسي /اجتماعي ويجب أن يحل بالسياسة لا بالقانون الجنائي، بالحكمة لا بالتدخل الأمني، بالشجاعة لا بالهروب إلى الأمام، وترك الأزمة تتفاعل في فراغ سياسي قاتل…
يوم السبت الماضي اضطر القضاء إلى نقل محاكمة ناصر الزفزافي ومن معه إلى البيضاء، خوفا من رد فعل ساكنة الريف على محاكمة (روبنهود) الحسيمة في معقله الرئيسي، وذلك تحت مبرر (التشكك المشروع)، الذي يعطي للغرفة الجنائية بمحكمة النقض صلاحية تجاوز الاختصاص المكاني للمحاكمات، وهذا لوحده دليل على أن الرأي العام في الريف وغير الريف لا يقبل هذه المقاربة في التعاطي مع سبعة أشهر من النضال، في سبيل تحقيق مطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة وبوسائل مشروعة… ولأن الحقل الرسمي والطبيعي للتعبير عن المطالَب وأقصد الحكومة والبرلمان والجهة والمجلس البلدي والحزب والنقابة… مسدود وفاقد للمصداقية، فإن الناس نقلوا معركتهم للشارع، للفضاء الأوسع والأكثر تأثيرا، هذه هي الحكاية الأهم في حراك الحسيمة، وليس نظرية المؤامرة التي تروج للانفصال وللعمالة إلى الخارج، يقول المغاربة في مثلهم الدارج: “حتى قط ما كيهرب من دار العرس”.
ما العمل الآن والأزمة تتعقد كل يوم مع الإدارة الكارثية لحكومة العثماني، التي فوضت لوزارة الداخلية كل صلاحيات رئاسة الحكومة، والنتيجة ما نرى الآن حيث القلق يعم كل ربوع البلاد، والدول الأوروبية بدأت تحذر رعاياها من الاقتراب من مناطق التوتر في شمال المملكة، ومشاهد تدخل الأمن لمنع الاحتجاجات غطت على مسلسلات رمضان الرديئة في التلفزة المغربية، وهو الأمر الذي سيؤثر لامحالة على الموسم السياحي، وعلى حركية الاستثمارات الأجنبية نحو بلادنا؟
أظن أن الحل يبدأ من اتخاذ جملة من الإجراءات التي تحمل أربع سمات وهي الجرأة والحكمة والسرعة والفعالية، وهذه الإجراءات كالتالي:
أولا: مطلوب تدخل المؤسسة الملكية على خط الإدارة المباشرة والواضحة لهذه الأزمة، بخطاب ملكي قوي وصريح يهدئ النفوس ويطمئن المغاربة من طنجة إلى گويرة، إلى أن الجالس على العرش يتفهم مطالب شعبه، ويلتزم بحماية الخيار الديمقراطي الذي توجد شكوك قوية اليوم حول مستقبله، ويتعهد بإطلاق جيل جديد من مشاريع التنمية البشرية في المناطق الأكثر عرضة للفقر والتهميش والبطالة والهشاشة، وذلك حتى لا تنقل الدولة الانطباع الخاطئ إلى باقي المناطق المهمشة بأن الطريق إلى تحقيق العيش الكريم يمر لزوما عبر تقليد حراك الريف. سيكون خطاب الملك أو اجتماعه مع فريق وزاري مصغر في الحسيمة عنوانا على المعالجة السياسية للأزمة، ومواصلة المصالحة الرمزية التي أطلقها محمد السادس منذ وصوله إلى العرش حتى وإن لم يتحقق المراد منها، كان الود أن تقوم الحكومة ورئيسها بهذا الدور، عنوانا على التشبث بالمقاربة المؤسساتية والدستورية، أما وإن الحكومة أريد لها أن تحمل الضعف في جيناتها، أما وإن حكومة العثماني ارتكبت أخطاء كارثية في إدارة هذه الأزمة، فلم يبق إلا تدخل الملك على الخط.
لقد سمع الجميع ماذا قال ذلك الصياد البسيط إلى الرجل الذي تريد الدولة أن تصنع منه زعيما من ورق قال له: “ماعندي بو الوقت”.
ثانيا: لا بد من إطلاق سراح كل المعتقلين على ذمة التحقيق، بعفو ملكي أو بحفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة. الرأي العام في الأركان الأربعة للبلاد يرفض المقاربة الأمنية ويراها علامة ضعف للدولة وليس علامة قوة. لقد سمع المغاربة نداء استغاثة أم الزفزافي التي تقول: “ليس لنا إلا ملك واحد هو محمد السادس، وأنا أطلب منه أن يتدخل للإفراح عن ابني ناصر، نحن لا نجد ما نأكل وأبنائي الأربعة عاطلين عن العمل، ونحن لا نسعى إلى الانفصال، حتى إبني كان يقول في المنزل لن نجد ملكا أفضل من محمد السادس”. هل هذا خطاب جماعة انفصالية؟
ثالثا: لا بد من إقالة عدد من رموز الفشل في إدارة هذا الحراك، وفي مقدمتهم وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، وفتح بحث قضائي معمق مع كل المسؤولين الذين يتحملون مسؤولية تعطيل أو تأخير عدد من المشاريع التنموية في الإقليم… لا بد أن يشعر المواطنون أن صوتهم وصل إلى مركز القرار، وأن هناك أملا لتحقيق الجزء الأكبر من مطالبهم، وأن الدولة ليست كما يرددون (فاسدة)، لكنها متهاونة وتحتاج إلى من ينبهها بين الحين والآخر لتقوم بمسؤوليتها…
رابعا: لا بد من تفكير عميق وجدي في علاج معضلة حكومة العثماني التي فرضت على المغاربة خارج نتائج الاقتراع، وخارج منطق مواصلة الإصلاحات العميقة للدولة، هذه حكومة لم تقنع أحدا، وقد أصبحت اليوم جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل. إن منطق التحكم في مخرجات السابع من أكتوبر ستكون له كلفة سياسية غالية، وها هو العربون أمامكم، فشل ذريع في إدارة أزمة حراك الريف، صب الزيت على النار هذا كل ما قامت به حكومة أبريل…
خامسا: لا بد من تغيير الخطاب الإعلامي للدولة، الخطاب المرتبك والفج، والذي يروج لنظرية الانفصال والعمالة ويحرض فئة من المواطنين ضد فئة أخرى إلى درجة أن بعض المحللين النفسانيين وصل الحمق بهم إلى تهديد الزفزافي بالقتل على أمواج الإذاعة، دون أن يحرك ذلك في النيابة العامة شعرة واحدة، هذا الخطاب لا يفيد في بلد يتوفر فيه 19 مليون مغربي على جهاز هاتف محمول مرتبط بالانترنيت.
إن شيطنة الحراك ورموزه وتسريب معطيات الحياة الخاصة إلى وسائل الإعلام أسلوب جربته أنظمة عربية قبل ست سنوات ولم يعط سوى نتائج عكسية تماما، لتتصرف الدولة وأجهزتها بطريقة عاقلة وناضجة وذكية وداخل مقتضيات دولة الحق والقانون، وتسحب ما يسمى بالشباب الملكي من الشوارع، فهؤلاء يسيؤون لسمعة البلد، ولما بقي من احترام الناس لدولتهم…
الحلول السهلة للأزمات كثيرا ما تتسبب في تفاقم الأوضاع لأن صاحبها يهرب من مواجهة الحقيقة، لكن الحقيقة لا تهرب منه.