بقلم - توفيق بو عشرين
إلى أين يقود الشاب محمد بن سلمان المملكة المحافظة، التي قال عنها الصحافي الأمريكي توماس فريدمان: «إن القوة السياسية المهيمنة فيها، في العقود الأربعة الماضية، لم تكن التيار الإسلامي ولا التيار الأصولي ولا الليبرالي ولا الرأسمالي ولا الداعشي. القوة السياسية المؤثرة كانت دائما هي الزهايمر الذي ضرب ويضرب الملوك الذين يصلون إلى العرش السعودي وهم في الثمانينات من العمر».
السعودية بلد استراتيجي في العالم العربي والإسلامي، فهي، من جهة، تضم الأماكن المقدسة لحوالي ملياري مسلم في العالم، وهي، ثانيا، أول منتج للنفط في العالم (12 مليون برميل يوميا)، وهي، ثالثا، مهد التيار الوهابي المنتشر في جل دول العالم العربي والإسلامي، والذي يأخذ على عاتقه مواجهة زعيمة المذهب الشيعي (إيران).
منذ مجيء الشاب محمد بن سلمان إلى قمرة القيادة، اتخذت خمسة قرارات خطيرة ومغامرة، وبعضها كارثي. لنتأمل هذه القرارات.
أول قرار مغامر للشاب محمد كان هو إزاحة ابن عمه عن ولاية العهد بطريقة خشنة، لم تراعِ مكانة محمد بن نايف، ولا موقع أسرته، ولا دوره في محاربة الإرهاب. لم يكتفِ محمد بن سلمان بإزاحة ابن عمه عن ولاية العهد، بل فرض عليه الإقامة الإجبارية في قصره، وامتدت يد ولي العهد إلى تجميد أرصدة ابن عمه، في محاولة لتجريده من أي قوة يمكن أن تساعده في الرجوع إلى الواجهة. محمد بن نايف مستسلم الآن لقدره، لكن أحدا لا يمكن أن يتوقع رد فعله إذا لاحت له الفرصة غدا، في ظل نظام ملكي أسري محاط بعصبتين قبلية ودينية معقدتين جدا، ليس من السهل الانتقال به إلى حكم فردي دون توافق عائلي.
القرار الخطير الثاني لولي عهد المملكة هو إعلان الحرب على اليمن، والتسبب في كارثة إنسانية في بلد جار، لم تكن انقساماته ولا مشاكله الداخلية تبرر إعلان الحرب عليه، ودفع الحوثي أكثر إلى الحضن الإيراني، وإعطاء الإرهاب ملاذا آمنا في بلاد بلا حكم مركزي. لقد تصور محمد بن سلمان أن الحرب اليمنية ستكون نزهة صيف، وأن طائراته وتحالفه الهش مع عدد من الدول العربية والإسلامية سيجعله يكسب حربا خاطفة، متناسيا أن جمال عبد الناصر خسر آلاف الجنود في اليمن، وخرج يجر ذيول الخيبة من بلاد لا يمكن أن تربح فيها حربا سوى بالسياسة والمال، وليس بالسلاح. الآن السعودية عالقة في فخ لا خروج منه، وهي ورطة تقود إلى أخرى.
القرار الخاطئ الثالث الذي وقعه محمد بن سلمان، بالشراكة مع محمد بن زايد، هو حصار قطر الشامل، في ما يشبه حربا لا ينقصها سوى الرصاص. هذا القرار قضى على مجلس التعاون الخليجي، وهو الإطار العربي الوحيد الذي كان يشتغل، وكانت السعودية تستفيد منه اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا. الحصار فشل بعد اتخاذ الكويت وعمان والمغرب موقف الحياد الإيجابي، فيما لم تساير بقية الدول العربية الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة في هذا التوجه العدائي ضد بلد صغير، ومحاولة تجريده من قراره السيادي، وهو الأمر الذي حصر تداعيات الحصار في المجال الاقتصادي، دون أن يمتد إلى تهديد نظام الحكم.
القرار الرابع الذي أثر على صورة السعودية، وسيؤثر على مستقبل الاستثمار فيها، هو إلقاء القبض على مئات الأغنياء، وفي مقدمتهم أمراء سعوديون، وإيداعهم سجن «الريتز كارلتون»، ومحاولة تصفيتهم ماليا، بدفعهم إلى التنازل عن جزء من ثرواتهم بدعوى محاربة الفساد، في بلاد لا تفرق بين المال العام والخاص، حيث تضارب المصالح لا يعتبر جريمة على الإطلاق في السعودية. إن محاربة الفساد بوسائل سلطوية وغير قانونية لا تنتج الشفافية ولا الحكامة، بل تنتج الخوف والارتباك والهروب إلى الأسواق الآمنة، فالرأسمال جبان كما يعرف نفسه، ولن يشعر بالأمان من هنا فصاعدا داخل السعودية، التي تبلغ نسبة البطالة وسط شبابها المتعلم 25%.
أما الخطأ الخامس الذي ارتكبه محمد بن سلمان، فهو احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، في الرياض، والضغط عليه لإجباره على الاستقالة من الحكومة، وإنهاء عمر الوفاق الذي نسجه تيار المستقبل وحلفاؤه مع حزب الله. الطريقة التي جرى بها إكراه الحريري على الاستقالة أعطت مفعولا عكسيا، حيث لم يقبل سنة لبنان، قبل غيرهم من الطوائف والأحزاب الأخرى، إهانة الحريري، والتدخل السافر في شؤون البلد، وتهديد سلمه الهش، وهو ما دفع فرنسا إلى التدخل بقوة من خلف الكواليس لإخراج الحريري من الورطة التي وضعه فيها محمد بن سلمان، ومحاولة إصلاح ما أفسدته الرياض التي كانت تريد الرد على استهداف مطارها بصاروخ باليستي آت من اليمن بإيعاز إيراني، في محاولة لعزل حليف طهران في لبنان، حزب الله، عن باقي مكونات البلد استعدادا لضربه.
هذه الأخطاء الخمسة إلى ماذا ترجع؟ وما السبب الذي جعل الشاب محمد بن سلمان ينجر إليها بسهولة فاجأت أصدقاء المملكة قبل غيرهم؟ هناك، أولا، قلة تجربة الشاب الذي يسعى إلى كسب شعبية سريعة في الشارع السعودي، وهناك، ثانيا، ضغط الوقت على محمد الذي يسابق الزمن لتثبيت أسس حكمه في حياة والده، الذي يبلغ من العمر اليوم 82 سنة، وفي ولاية ترامب القصيرة جدا، وهناك، ثالثا، الاستفراد بالقرار، وعدم توسيع قاعدة الاستشارة في نظام حكم فردي وتقليدي، وهناك، رابعا، استسهال أسلوب إحداث الصدمة في التغيير دون حسابات دقيقة في بيئة محافظة، وهناك، خامسا، وهذا هو الأخطر، التأييد غير المشروط لتاجر العقارات في البيت الأبيض للشاب الصاعد مقابل المال الذي حصل وسيحصل عليه… كل هذه العوامل، وأخرى، وضعت المملكة على خطوط نار مفتوحة على كل الجبهات، الداخلية والخارجية، وجعلت الأمير يقود بلاده بسرعة لا تحتملها عربة المملكة.