«سيتكوم» واحد يشد انتباه المغاربة حول طاولة الإفطار في رمضان هذا العام.. حراك الريف، وعودة حرارة الاحتجاجات إلى مدن كثيرة. الفقراء، كما الأغنياء، قلقون، وبعضهم خائف على البلد من مخاطر الانزلاق إلى الفوضى، لكن الجميع يستغرب حجم الأخطاء التي ارتكبتها الدولة، ولاتزال، في تدبير ثاني أخطر أزمة يعرفها المغرب بعد حراك 20 فبراير، الذي زار المملكة قبل ست سنوات… إليكم جرد أولي لهذه الأخطاء الكارثية التي وقعت في الأشهر الأخيرة.
1- جرى إهمال جرح الريف لستة أشهر كاملة، حتى تقيح وأصبح جسده يحتاج إلى عملية جراحية معقدة. كانت السلطة لأشهر مشغولة بالإعداد لإزاحة بنكيران من المسرح السياسي لأنه أصبح زعيما في بلاد لا تطيق الزعماء، في الوقت الذي كان الزفزافي يهيئ طاجين الاحتجاجات على نار هادئة، ولم تستوعب السلطة حجم ما يجري حتى خرج عشرات الآلاف إلى الشارع في الحسيمة، وتبعتهم 30 مدينة تتضامن وتؤيد الحراك الاجتماعي في الريف.
2- أبعدت الدولة الحكومة والأحزاب عن إدارة الأزمة، وكلفت بها حصريا وزارة الداخلية (داوني بالتي كانت هي الداء)، ظنا منها أن السياسة لا مكان لها في إدارة أزمة بسيطة سيتم علاجها بعصي الأمن وأحكام القضاء، وظنت السلطة أن الأمور ستعود إلى سابق عهدها. نحن، إذن، أمام سوء تقدير مبني على نقص في المعلومات أو جهل بالواقع.
3- لما أحست الدولة بأن بقعة الزيت تتمدد إلى خارج الريف، منذرة بربيع اجتماعي جديد يسائل فيه المحتجون المسؤولين عن الحصيلة الكارثية لتدبير الشأن العام.. فقط لما أحست الدولة بالخطر، بعثت سبعة وزراء إلى الحسيمة يقودهم وزير الداخلية المثير للجدل، وعوض أن يقدم هؤلاء الوزراء، الذين لم يسبق للناس أن تبركوا بوجوههم في هذه المنطقة، حلولا عملية والتزامات مدققة، قال حصاد، وزير الداخلية في التعليم: «إنني أنوي بناء نواة جامعية في الحسيمة لكني لا أتوفر على الأرض»! أما أخنوش فإنه نزل إلى الميناء ليجمع مطالب الناس، فقال له سعيد الصياد: «ماعندي بو لوقت».. هذا هو حال زعيم المرحلة الذي تهيئه الدولة لتسلم مشعل الحكومة مكان بنكيران والعثماني.
4- في الوقت الذي كان الريف يغلي، كان المهندسون في الرباط يشتغلون على إخراج واحدة من أضعف الحكومات التي عرفها المغرب.. حكومة «البريكولاج» التي تجمع ستة أحزاب، جلها نبذها الناخب، وجاءت بها الدولة لتعاقبه على التصويت السياسي الذي قام به في السابع من أكتوبر 2016، فالتقط الناس الإشارة، وها هم ينزلون إلى الشارع بعد كل إفطار ليذكروا السلطة بأنهم هنا، وأنهم لن يسكتوا على إهانة حكومة أبريل.
5- عِوَض أن تنزع أحزاب الأغلبية فتيل التوتر، اجتمعت وجوهها التعيسة في دار رئيس الحكومة بسلا، وخرجوا بنظرية الانفصال والعمالة للخارج في حق سكان الريف، فصبوا الزيت على النار، وأججوا الاحتجاجات أكثر، ثم لم يطاوعهم كبرياؤهم للاعتذار إلى الشعب، فرجعت الحكومة إلى خطاب «نتفهم الاحتجاجات المشروعة لساكنة الريف». بعدها بأيام رجع الجهاز التنفيذي إلى خطاب التهديد والوعيد، وخرجت الانكشارية الإعلامية المتخلفة لتروج نظرية «الشيعة الذين يقفون وراء الاحتجاجات»، والانفصاليين الذين يريدون أن يقودوا المغرب إلى النموذج السوري.
6- في هذه الأجواء المتوترة، وفي الوقت الذي كان كل خطباء الجمعة في مساجد المملكة تناولوا فضل شهر رمضان، ونصحوا المؤمنين باستغلاله أفضل استغلال في العبادة والتقرب إلى الله والإحسان إلى الفقراء، اختارت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تخصص خطبة الجمعة في الريف للتحذير من عواقب الفتنة والخروج عن الإمام وتهديد الاستقرار، وربط الحق في الاحتجاجات الاجتماعية بفقه الفتنة، وفتاوى الخروج عن الحاكم، وهو ما أثار استفزاز شباب الحراك، فرد الزفزافي على إمام المسجد في التوقيت الخطأ والمكان الخطأ، مستنكرا توظيف منبر رسول الله لتصريف دعاية السلطة السياسية ضد المواطنين العزل الذين يدافعون عن حقوقهم سلميا.
7- ولكي تكتمل حلقة التدبير الكارثي لأزمة الريف، ولأن الدولة تتصرف تحت ضغط الخوف وعدم فهم عمق الحراك، وحجم التحولات التي وقعت في المجتمع، وديناميات الجيل الجديد من الاحتجاجات، جرى اعتقال أكثر من 50 ناشطا يتقدمهم ناصر الزفزافي، وتحولنا من خطاب التهدئة إلى خطاب التصعيد، ومن وعود التنمية إلى وعيد القانون الجنائي، فازدادت حدة الحراك واتسعت، لتنتقل إلى مدن أخرى في الداخل كلها تصرخ: «كلنا ناصر الزفزافي».
8- نهجت الدولة أسلوب «البروبغندا السوداء» لعلاج الأزمة، فنقل تلفزيون الدولة صورا مفبركة عن الحراك لإلصاق تهمة جديدة لأبناء الريف، وهي حرق البنايات والاعتداء على الممتلكات، والشيء نفسه قام به تلفزيون «ميدي1 سات»، دون مراعاة لأخلاق المهنة وضوابط الإعلام، فتحولت القناتان إلى أضحوكة أمام الناس، وفقدتا أي حظ من نيل المصداقية في ما تنقلانه إلى المشاهد، وانضافت إلى القناتين الخلية الإعلامية التي تروج الأخبار الكاذبة، والصور المفبركة وغير المفبركة، من أجل شيطنة الحراك ورموزه، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، واحتقار ذكاء المواطنين الذين لقبوا هؤلاء «الزملاء» بالعياشة.
9- ولأن بئر الأخطاء لا قاع لها، فإن السلطة قررت منع التظاهر في شوارع المملكة، والتصدي للمواطنين الذين يرغبون في تنظيم وقفات سلمية للتعبير عن غضبهم، في خرق واضح للقانون، ولالتزامات المغرب الداخلية والخارجية، بل أكثر من هذا، لجأت السلطة إلى خدمات من يسمون بالشباب الملكي الذين ينزلون إلى الشارع من أجل مواجهة المحتجين بأعلام المملكة وصور الملك والنشيد الوطني، الذي لا يحفظه جلهم، في محاولة لتخفيف الضغط عن السلطة. الوضع يتفاقم كل يوم، وكل قرار تنهجه الدولة لحل الأزمة يصير هو نفسه مشكلا جديدا، وهذا ما يبعث على الخوف من انزلاق البلاد إلى المجهول تحت تأثير الجهل بما يحدث، والاعتماد على التقارير التي لا تنقل الحقيقة إلى أصحاب الشأن، وغياب التشاور الواسع مع القوى الحية في البلد، والإحساس الخادع بأن حراك الريف عابر مثل سحابة صيف أو غيمة ضباب.