توفيق بو عشرين
وصلتني تعليقات كثيرة من مواطنين وفنانين ومثقفين وإعلاميين موضوعها الافتتاحية التي أبديت فيها رأيي حول قرار إحالة وزارة الاتصال السيد نور الدين الصايل على التقاعد، بعد أن مددت خدمته على رأس المركز السينمائي أكثر من مرة.
أغلب من اتصل عبّر عن اتفاقه مع كاتب هذه السطور عندما استهجن توقيع كتيبة من المخرجين بيان نصرة للصايل بعثوه إلى القصر الملكي مطالبين بإبقاء رجل السينما في مركزه، ضدا على قانون التقاعد، وعلى قانون التعيين في المناصب العليا، وضدا على الدستور، والأدهى أن هذه الكتيبة وضعت أسماء مثقفين ومخرجين أجانب في هذه العريضة الفضيحة، وأنا متأكد أن أغلب هؤلاء الأجانب، الذين وضعت توقيعاتهم على الرسالة، لا يعرفون خلفيات الداعين إليها، ولا علم لهم بالقانون المغربي، وأن كل ما قيل لهم هو: «هبوا لإنقاذ السينما والفن لأن الأصوليين يريدون إزاحة نور الدين الصايل، خط الدفاع الأخير في وجه طالبان ونظرية الفن النظيف»...
الذين اتفقوا مع ما كتبته من أن رسالة أنصار بقاء الصايل مدى الحياة في المركز السينمائي إهانة للبلاد وسيادتها، قالوا إنك كتبت بالضبط ما كان في نفس الكثيرين، لكنهم لم يجرؤوا على كتابته، إما لأن لهم علاقة طيبة مع الصايل، وإما لأن موقفهم سيفسر على أنه انتقام من الرجل بعد أن خرج من المنصب.
قلت لهم: هل تعرفون أنني واحد ممن يعتبرون نور الدين الصايل مثقفا كبيرا ورجل سينما كبيرا، وأنه لا تجمعني به عداوة ولا خصومة.. بالعكس، المرات القليلة التي جمعتنا كان اللقاء فيها وديا، وأنه كان يتصل مرارا عندما يعجبه شيء مما ينشر في هذه الجريدة، وأن نقاشنا معه ليس شخصيا إطلاقا بل قانوني وسياسي وفكري، لا بوليميك فيه ولا نية إساءة، وليس دفاعا عن أحد من القبيلة أو العشيرة...
رسالة تهنئة إلى البقالي
اتصلت برئيس نقابة الصحافيين الجديد، عبد الله البقالي، أول أمس، وهنأته على الثقة التي وضعها فيه المؤتمرون، وتمنيت له التوفيق في مهمة لن تكون سهلة لأن قيادة نقابة للصحافيين، المتمردين بطبعهم، مهمة شاقة، لكن ما لم أقله للبقالي أن فوزه بالإجماع في نقابة لصاحبة الجلالة، أي الصحافة، أمر مقلق، فالمفروض في جسم مثل هذا أن يكون فيه أكثر من مرشح، وألا يمر الفائز إلا بنسبة قليلة فوق الخمسين، أما حكاية المرشح الوحيد والإجماع فلنتركها للنقابات العمالية والأحزاب الإدارية، فهي ماركة مسجلة باسمهم ولا يجوز السطو عليها. لن أتحدث هنا عن كون نقيب الصحافيين المغاربة هو صحافي وبرلماني في الوقت نفسه، وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، هذا مما لا أرى أن الوقت قد حان لمناقشته وربما للابتعاد عنه وتحرير النقابات من نفوذ الأحزاب، ثم إن الأمر في البداية والنهاية إرادة من صوتوا للبقالي ولا أحد ضغط عليهم أو رشاهم، وقناعتهم تقول إنهم لا يتصورون وجود تناقض بين الانتماء إلى مهنة مثل الصحافة وإلى حزب سياسي في الوقت ذاته...
رسالة إلى القاضي عنبر
عابني القاضي محمد عنبر بسبب انتقادي للنيابة العامة بعد صدور حكم قضائي ضدي بستة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ في فضيحة حكمين متناقضين في ملف واحد، وقال إنني اكتويت بنار الحب للرميد فكيف أنتقد النيابة العامة الآن وقد دافعت عن بقائها تحت وصاية وزارة العدل مخافة أن تتغول، وها أنا الآن أنقلب 180 درجة...
إلى السيد عنبر أقول إن رأيي الأول كان هو استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، وعن مراكز القوى الأخرى التي تتحكم في النيابة العامة، وقلت وكتبت هنا أن الحل هو إحداث مؤسسة للنيابة العامة مستقلة عن الوزارة وعن غيرها من الجهات، وجعل رئيسها إما منتخبا من الهيئة القضائية لولاية واحدة غير قابلة للتجديد، وإما معينا من قبل الحكومة، كما في إسبانيا ودول أخرى، ولما رأيت أن الاتجاه يسير إلى إخراج النيابة العامة من تحت ولاية الحكومة المنتخبة إلى جهات معينة لا يمكن محاسبتها، قلت إن أهون الشرين هو بقاؤها في وزارة العدل، على الأقل في هذه الحالة يمكننا أن نحاسب الوزير على قراراتها وعلى سياساتها الجنائية...
وأنا أسأل السيد عنبر، وهو قاض في محكمة النقض: هل سمع بمحكمة تنظر مرتين في ملف واحد وتصدر حكمين متناقضين، واحد بالبراءة والثاني بالإدانة؟ وهل سمع بمقال مضاد في الدعوى المدنية يخرج من الملف بعد أن خسر صاحبه القضية، ويقدم كشكاية مباشرة أمام النيابة العامة بعد أن حكمت المحكمة في كل أطوار التقاضي في الملف، وبرأت صاحبه من حكاية «النوار» والغبن في الثمن، واعتبرت حكمها بمثابة عقد بيع صحيح للعقار.
أنا لم أطالب بأكثر من فتح تحقيق في هذه النازلة والاطلاع على ما في حوزتي من معطيات وشهادات حول التدخلات التي جرت في الملف، وإلى أن تقول محكمة النقض كلمتها الأخيرة، فأنا أحتفظ بحقي في متابعة الذين ينهشون في شرفي وسمعتي اليوم بلا مروءة ولا أخلاق.. فحتى الحرب لها أخلاق...