تونس… في غياب الباجي
أخر الأخبار

تونس… في غياب الباجي

المغرب اليوم -

تونس… في غياب الباجي

بقلم : خيرالله خيرالله

سيكون انتخاب شخصية محترمة، قادرة على الدفاع عن مسار الحداثة في تونس رئيسا للجمهورية، بمثابة مؤشر إلى أن البلد قادر على الدفاع عن نفسه وحماية مكتسبات مرحلة الحبيب بورقيبة. أسست تلك المرحلة لقيام مؤسسات لدولة مدنية تسيّرها قوانين عصرية تحافظ على حقوق المرأة وتؤمّن المساواة بينها وبين الرجل في كلّ الحقول. هذا لا يعني أن عهد بورقيبة كان خاليا من الشوائب، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة التي تقدّم فيها “المجاهد الأكبر” في السنّ ولم يتخذ أي خطوة من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة عن طريق الصندوق الانتخابي.

على الرغم من كلّ هذه الشوائب، بقي بورقيبة زعيما عربيا استثنائيا بكلّ المقاييس. لا تزال أصداء خطابه في أريحا تتردّد إلى اليوم. كشف ذلك الخطاب الذي سبق هزيمة 1967 كم كان بورقيبة سياسيا عميقا وواعيا وواقعيا وكم كان جمال عبدالناصر الذي أصرّ على صدّه مجرّد ظاهرة صوتية جلبت الكوارث على مصر وعلى المنطقة كلّها.
 
أنصف التاريخ الحبيب بورقيبة وسينصف الباجي قائد السبسي الذي مات ولم تمت معه مؤسسات الدولة التونسية. تلك المؤسسات التي استطاعت مقاومة قوى التخلّف، على رأسها تنظيم الإخوان المسلمين فترة طويلة. بدأت هذه الفترة بالاستقلال في العام 1956 واستمرّت في عهد زين العابدين بن علي الذي أخذ بالقوّة مكان بورقيبة في تشرين الثاني – نوفمبر 1987… وبعد “ثورة الياسمين” أواخر العام 2010 وبداية 2011 عندما أجبر الشعب التونسي بن علي على الاستقالة واللجوء إلى المملكة العربية السعودية.

وقف الباجي قائد السبسي سدّا منيعا في وجه سقوط مؤسسات الدولة التونسية. دافع بالفعل عن إرث الحبيب بورقيبة الذي سعى بن علي إلى التنكر له عن طريق إلغاء الحياة السياسية في بلد قبل فيه سلفه أن تكون شخصيات أخرى في مواقع قيادية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، كان رئيس الوزراء في عهد بورقيبة يتمتع بوضع خاص وليس مجرد موظف، كما شاء بن علي.

أيّا تكن الاعتراضات على الباجي قائد السبسي، خصوصا بسبب تمسّكه بالرئاسة، على الرغم من تقدّمه في السنّ، يكفي أنّ الرجل استطاع الصمود ومنع تونس من السقوط. أكثر من ذلك، أصر على تمرير قوانين عصرية لمصلحة المرأة والعائلة تؤكّد أن تونس مستمرة في لعب دور طليعي في مجال تكريس وجود دولة مدنية والمساواة بين المواطنين.

هل تبقى تونس صامدة في غياب الباجي قائد السبسي؟ السؤال في غاية الصعوبة والتعقيد. الكثير سيعتمد في نهاية المطاف على الشخصية التي سينتخبها التونسيون في الخامس عشر من أيلول – سبتمبر المقبل لتخلف الباجي قائد السبسي. المهمّ أن تكون هذه الشخصية قويّة وأن تتمتع في الوقت ذاته بفكر مستنير بعيدا عن فكر “حركة النهضة” التي تعمل بهدوء على التسلل إلى مواقع أساسية في الدولة وتحقيق اختراقات لمؤسساتها.

لا تنقص تونس الشخصيات القادرة على لعب دور قيادي بالفعل، دور قيادي بنّاء بكلّ معنى الكلمة. وهذا يعني في طبيعة الحال إكمال الدور الذي لعبه الباجي قائد السبسي في مجال المحافظة على إرث الحبيب بورقيبة وتطويره. لكنّه يظلّ أهم ما يستطيع الرئيس الجديد عمله هو التأسيس لمرحلة جديدة يكون فيها تداول سلمي حقيقي للسلطة بين شخصيات تؤمن بالانفتاح وبجعل تونس على تماس مع كلّ ما هو حضاري في العالم.

الأهمّ من ذلك كلّه، آن أوان مواجهة الواقع التونسي بدل الهروب منه. صحيح أن الباجي قائد السبسي عرف كيف يحافظ على مؤسسات الدولة والحدّ من هجمة “النهضة” عليها، لكنّ الصحيح أيضا أن تونس في معركة مع الإرهاب. لا ينتج المجتمع التونسي رجالا ونساء وقادة نقابات يمتلكون القدرة على الدفاع عن مكتسبات عهد بورقيبة فحسب، بل إنّه ينتج أيضا إرهابيين.

من هذا المنطلق، كلّ ما يحدث في تونس حاليا يثير القلق. حال القلق سائدة قبل وفاة الباجي قائد السبسي الذي تعرّض لوعكة صحيّة أولى في السابع والعشرين من حزيران – يونيو الماضي. في يوم الوعكة الصحية التي تعرّض لها رئيس الجمهورية الذي نقل إلى المستشفى العسكري في ظلّ إشاعات كثيرة… وقعت عمليتان إرهابيتان. كانت إحداهما في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، فيما استهدفت الأخرى قوّة مكافحة الإرهاب.

لم تسفر العمليتان عن خسائر كبيرة، لكنّ الملفت كان إعلان “داعش” مسؤوليته عنهما. يشير ذلك إلى أن خطر “داعش” ما زال قائما أوّلا وإلى وجود حاضنة لهذا التنظيم في تونس ثانيا وأخيرا. ما لا يمكن تجاهله في أيّ لحظة هو أن عدد التونسيين الذين التحقوا بـ”داعش” كبير جدا في سوريا والعراق وأماكن أخرى. وهذه ظاهرة لا بدّ من التوقف عندها. ما الذي جعل الآلاف من التونسيين يلتحقون بهذا التنظيم الإرهابي على الرغم من كلّ الجهود التي بذلت في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي من أجل تطوير الوعي في أوساط المجتمع التونسي؟ ما الذي يمكن أن يعمله الرئيس الجديد كي يضع حدّا لهذه الظاهرة؟

لا حاجة إلى الذهاب بعيدا من أجل الحصول على جواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة المتعلّقة بوجود “داعش” في تونس. هناك أحزاب دينية معروفة عملت في ثمانينات القرن الماضي على تقويض عهد بورقيبة والقضاء على كل إنجازات هذا العهد. كذلك، فإن بورقيبة نفسه يتحمّل مسؤولية كبيرة في كل ما حصل عندما أصرّ على أن يكون رئيسا لمدى الحياة. انتهى به الأمر في مرحلة معيّنة أن أصبح أسير زوجته وسيلة بن عمار التي طلّقها في العام 1986، ثم قريبته سعيدة ساسي إلى حين حصول حركة التغيير التي قام بها زين العابدين بن علي، مع ضابطين آخرين، في السابع من تشرين الثاني–نوفمبر 1987.

ما حصل قد حصل. لا يمكن البكاء على الفرص التي أضاعتها تونس، بما في ذلك تلك التي أضاعها زين العابدين بن علي الذي وقع باكرا في أسر زوجته الثانية وأفراد عائلتها… والرئاسة لمدى الحياة.
 
تبدو تونس في حاجة أكثر من أيّ وقت إلى رئيس يتمتع بمواصفات معيّنة في مقدّمها معالجة ظاهرة الإرهاب بكلّ أشكالها وتطوير الإيجابيات التي تحققت بفضل الباجي قائد السبسي. هل من وجود لشخصية تمتلك مواصفات معيّنة تمكنها من لعب هذا الدور؟

على شخصية الرئيس الجديد، سيتوقف الكثير في تونس حيث تراجع الأمن والخدمات والاقتصاد منذ خروج بن علي من الرئاسة. هذا واقع يجمع عليه كلّ زوّار تونس. هذا الواقع يستدعي الاستعانة بشخص استثنائي يمتلك العقل المستنير لبورقيبة ولا عقد لديه حيال أي إيجابيات في عهد زين العابدين بن علي، خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب والذهاب إلى جذوره والتنمية الاقتصادية…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس… في غياب الباجي تونس… في غياب الباجي



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية
المغرب اليوم - شريف سلامة يكشف أسباب قلة أعمالة الفنية

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

إليك كيفية وضع المكياج الخفيف للمحجبات

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد الجوافة في تجنب التهابات المعدة

GMT 14:31 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

الفنانة المغربية سلمى رشيد وهيثم مفتاح يقفزان من السماء

GMT 00:44 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

شواطئ ساحرة حول العالم لعطلات الصيف

GMT 10:11 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

يحيط منزله بسور مصنوع من هواتف (آيفون)

GMT 11:07 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

ترسيم الحدود البحرية يعترض صفقة عسكرية بين المغرب وإسبانيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib