بقلم - مصطفى فحص
بالتزامن مع زيارة زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى الرياض، أطلق مغردون عراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي هاشتاغ #النجف_والرياض_جيران، وذلك دعماً لزيارة الصدر للمملكة العربية السعودية. اللافت أن المجموعة الشبابية التي أطلقته لا تنتمي إلى التيار الصدري، بل هي في أغلبها تتكون من وجوه شبابية تطالب بتعزيز دور المجتمع المدني ومعروفة في تصديها لأحزاب الإسلام السياسي والمشاريع الطائفية. منذ أسبوع تقريباً وأثناء وجودي في العاصمة العراقية بغداد لمدة لم تتجاوز 48 ساعة، تمكنت من الاتصال بأحد نشطاء الحراك المدني، وهو عضو في أسرة تحرير صحيفة «المدى» المعروفة بتبنيها الخطاب المدني الليبرالي، الصحافي الشاب حامد السيد، لسؤاله عن كيفية تعامل الشارع العراقي مع الهاشتاغ، فقال: «كانت متباينة إلى حد ما، لكن الواضح أن الكفة تميل إلى صالح خطوات تهدف إلى علاقة طويلة الأجل مع الخليج وخصوصاً السعودية بالتحديد»، وأضاف: «من مصلحتي كعراقي أن أكون متصلاً بالجميع، العزلة لا يفرضها أحد علينا، إرادتنا هي من تحدد خياراتنا». من جهته، يتعامل الشارع الشعبي العراقي مع زيارة السيد الصدر إلى الرياض وفقاً لمعاييره الثقافية والاجتماعية التي تختلف جذرياً عن تقييمات الطبقة السياسية ودوائر صناعة الرأي العام، ففي الأوساط الشيعية الشعبية وحيث يسود العصب الشعبوي المؤيد للتيار الصدري، استغل مؤيدو الصدر الفرصة من أجل التغني بإنجازات قائدهم، حيث تم إنتاج ما يزيد على 5 أناشيد تمدح الزيارة ونتائجها الإيجابية، واعتبارها صفعة على وجه من حاول محاربة الصدر وإضعافه في الداخل وتخريب علاقة العراق بجيرانه العرب.
فمن الواضح من خلال الإنتاج الفني للأناشيد أن المقصود مباشرة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إضافة إلى من وصفتهم كلمات بعض الأناشيد بأذناب سليماني، نسبة إلى قائد فيلق القدس الذي بات العراقيون الآن يتهمونه بالهيمنة على قرارهم السيادي، الجنرال قاسم سيلماني. وفي أنشودة للرادود السيد بهاء الحسيني عنوانها «حرق دمهم» والمغناة بالعامية العراقية يقول: «صعدت الهستيريا يا سيد وراك، والضغط كلش صعد مولانا، ونحن نقدر علياك، نكسرله عين لكن مستحان عليك ما خلانا، حقدهم راح يقتلهم، حرق دمهم حرق دمهم، حائط يلي دق راسه يلي ضدك مقتدى، مضغوطين بدهم شلح مضغوطين بدهم شلح».
في المقابل لم يكن وضع اسم النجف مقابل الرياض في الهاشتاغ إضعافاً لدور بغداد، بل كان فكرة ذكية ممن أطلقوه بهدف تجاوز ما تراكم من أخطاء في الفترة الماضية، ومن أجل مواجهة آلة الدعاية الإيرانية التي لم تتوقف عن الترويج عبر أدواتها الإعلامية والدينية والثقافية والسياسية لما تدعيه من عداء الدولة السعودية للنجف وموقعها الديني والثقافي والاجتماعي، وذلك بهدف توسيع الهوة بين العراقيين الشيعة وأشقائهم العرب، كما يحاول الهاشتاغ إبراز موافقة النجف ومباركتها التقارب الحاصل بين بغداد والرياض على كل الصعد، وفي هذا الشأن يعلق مسؤول إعلامي رسمي كان ضمن أعضاء الوفد الذي رافق رئيس الوزراء العراقي في زيارته للرياض، أن الذين أطلقوا الهاشتاغ (النجف والرياض جيران) كأنه وصلهم ما قاله الأمير محمد بن سلمان أثناء استقباله رئيس الوزراء حيدر العبادي عن موقع مدينة النجف ودورها في الحفاظ على مدرسة التشيع العربي والاعتدال وتعزيز انتماء العراقيين الوطني. وهذا ما أكد عليه وزير الدولة السعودي لشؤون دول الخليج العربي السفير ثامر السبهان في تغريدة له على حسابه في «تويتر» حيث قال: «أؤمن بأننا يجب أن نفرق بين المذهب الشيعي الأصيل ومذهب الخميني المتطرف الجديد».
من استقبال الوزير السبهان للصدر على باب الطائرة، إلى الحفاوة غير الاعتيادية من نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان بضيفه الزعيم الشيعي العراقي السيد مقتدى الصدر، مشاهد تسببت بإثارة جدل واسع داخل الشارع العراقي، الذي تعامل مع الصورة التي جمعت الأمير والسيد كأنها رسالة سياسية تعلن عن تحولات جذرية في مواقف شريحة كبيرة من العراقيين الشيعة تجاه قضايا كانت من المحرمات السياسية، كما بات سهلاً أن تتلمس الآن في بغداد ما أدت إليه حركة الصدر الأخيرة تجاه السعودية من مواقف داخل أفراد الأسرة العراقية الواحدة بين مؤيد أو مترقب، حيث بدأت تتبلور الشخصية العراقية الوطنية التي دفعتها الهيمنة الإيرانية إلى البحث عن ما هو أبعد من هويتها الدينية. زيارة الصدر للرياض في هذه المرحلة دقيقة في حساباتها، وهي في توقيتها أقرب إلى كونها حداً فاصلاً بين زمنين؛ ماضٍ يمضي ولعله سيأخذ معه ما تبقى من الهيمنة، ومستقبل تتشكل فيه الفرصة للملمة ما تبعثر من السيادة والهوية... يتبع.