بقلم - مصطفى فحص
لم يتأخر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في الرد على قرار القضاء الإيراني اعتقال اثنين من كبار مساعديه: نائبه أسفنديار رحيم مشائي، ومساعده للشؤون التنفيذية حميد بقائي، فقد اتهم نجاد المرشد السيد علي خامنئي بالاستحواذ على نحو 190 مليار دولار بطريقة غير مشروعة لا تخضع لأي رقابة مالية. فجرأة أحمدي نجاد في التصويب على مالية المرشد لا تستند إلى قوة استثنائية يتمتع بها نجاد، بقدر ما هي انعكاس لحالة التشرذم التي تعصف بين أركان النظام الذي بات عاجزاً عن إخفاء عيوبه، التي تحولت إلى أورام خبيثة يصعب علاجها، فهي تعود لأربعة عقود تراكمت خلالها الأمراض التي يمكن توصيفها الآن بالمستعصية. طبياً يلجأ الأطباء بعد استسلامهم أمام صعوبة الحالة إلى خيار العلاج بالصدمة التي تعتمد على جرعة كبيرة من الكورتيزون، أو الأدوية الكيماوية، كفرصة أخيرة أمام المريض بهدف الحفاظ على حياته، ولكن الصدمة قد تتسبب في أعراض جانبية كبيرة للمريض. وكما في الطب كذلك في السياسة، وفي لحظة استعصاء إنقاذ النظام يصبح العلاج بالكورتيزون السياسي الخيار الوحيد أمام أصحاب السلطة، فيصبح الانقلاب احتمالاً قوياً أو خياراً حتمياً، فهل يلجأ أركان النظام الإيراني ومُلاكه إلى القيام بانقلاب سياسي من أجل الحفاظ على نظام ولاية الفقيه، كخيار أخير، قبل أن تستحكم الأمراض المستعصية بجسده، وتخرجه من الحياة السياسية؟
في السياسة، فشل النظام الإيراني في معالجة ظواهر التمرد على سلطته، وباعتراف أجهزته الأمنية فإن حركة الاحتجاجات اندلعت في أكثر من مائة مدينة وناحية من إيران، وبلغ عدد الموقوفين منذ بداية السنة 8 آلاف؛ حيث أكدت التقارير الأمنية أن 85 في المائة من الموقوفين هم ما دون الـ35 عاماً، وأغلبهم ليست لديه أي سوابق سياسية أو أمنية. وقد علّق معاون وزارة الداخلية للشؤون الأمنية حسين ذو الفقاري على التحقيقات التي أجرتها وزارته مع الموقوفين بالقول: «إن مطالب المتظاهرين اجتازت جميع الخطوط المرسومة والسائدة لكل التيارات السياسية في البلاد»، وهو اعتراف ضمني منه بأن المحتجين على الأوضاع المعيشية تجاوزت مطالبهم كل الخطوط الحمر التي اعتادت التيارات السياسية أن تلتزم بها سابقاً؛ خصوصاً أنهم طالبوا علانية بإسقاط النظام، وبرحيل خامنئي، الذي حذره الرئيس حسن روحاني من ملاقاة مصير الشاه إذا لم يصغِ لمطالب الشعب.
ومع تردي الأوضاع المعيشية وعجز الدولة عن تلبية مطالب المواطنين، ولجوئها إلى ممارسة العنف المفرط في قمع حركة الاحتجاجات، حذّر حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، السيد حسن الخميني، من سقوط النظام إذا لم يُصغ إلى مطالب الشعب، مبدياً تخوفه من سيطرة حكومة استبدادية قمعية تستخدم العنف المفرط؛ لكنها لن تستطيع الصمود طويلاً.
كلام حسن الخميني هو أول تلميح مباشر عن مخاوف النخب الإيرانية من لجوء أركان النظام إلى القيام بانقلاب سياسي، يمنحهم وقتاً إضافياً من أجل إعادة ترتيب صفوفهم، والقضاء على المعارضة، وإقصاء الأصوات المطالبة بالإصلاح.
خيار الانقلاب غير مستبعد في حال احتدم الصراع بين مراكز القوة المتنافسة على وراثة المرشد، أو على امتلاك نسبة عالية من الأسهم في اختيار خلفه، إضافة إلى تخوف الحرس الثوري من ضيق هامش المناورة مع واشنطن في كثير من الملفات الإقليمية الحساسة، وفي مرحلة «الكباش» المتصاعد بين روحاني والحرس، يستعد الأخير لاتهام روحاني بالفشل في حماية الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، في حال قرر الرئيس ترمب الانسحاب من الاتفاق في منتصف مايو (أيار) المقبل، وهي الخطوة التي سيستغلها الحرس الثوري في الرد على ما سيعتبره فشل خيارات روحاني التفاوضية مع الغرب، وسيتعامل معها كفرصة استثنائية تساعده على طرح إقصائه عن السلطة، وذلك بسبب القلق الكبير الذي بات يشكله نفوذه داخل مؤسسات الدولة وفي الشارع، وضرورة قطع الطريق عليه، قبل أن يتحول إلى الرجل الأقوى في تركيبة الدولة والثورة في حالة الغياب المفاجئ للمرشد، حيث لن يتمكن أي مرشد جديد من منافسته.
في 19 أغسطس (آب) 1991، اعتقد نائب رئيس الاتحاد السوفياتي غينادي يانييف، مع أعضاء من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي الحاكم آنذاك، أن بإمكانهم إيقاف عجلة التحولات، فأعلنوا عن سيطرتهم على السلطة في موسكو، وإقصاء الرئيس ميخائيل غورباتشوف، ولكن الانقلاب الذي صمد بوجه حركة الاحتجاجات الشعبية 3 أيام فقط، عُجِّل فشله بانهيار الاتحاد السوفياتي، وإقصاء غورباتشوف عن السلطة، وسقوط المعسكر الاشتراكي، لذلك ليس من المستعبد أن تداعيات أي انقلاب سياسي في إيران قد تسرع في سقوط النظام وتغير وجه إيران.