بقلم - جمال بودومة
كرة القدم مخدر قوي، يتعاطاه الشعب برعاية من الدولة، كي تبعده عن المشاكل العويصة التي تتخبط فيها البلاد. الملايين يصعدون إلى القمة ثم ينزلون إلى الحضيض، كما يحدث لأي مدمن، يبدؤون بالضحك والقهقهات وينتهون بالدموع والحشرجات، مثلما حدث بعد مباراة المغرب ضد إيران، التي أكدت أننا بارعون في تسجيل الأهداف، لكن دائماً في الجهة الخاطئة. أناس محترمون يبدؤون بالزئير مع الأسود وينتهون بالرقص مع القرود و”التمرميد” مع الكلاب، في مشهد لا تراه إلا في السيرك. ومثلما يمنح الحشيش سعادة غير مبررة لمن يدخنه، توفر مباريات كرة القدم نشوة عابرة لمن يشاهدها، بمجرد ما تنتهي المباراة يكون شعور المتفرج مثل إحساس “الحشايشي” حين ينهي “الجوان”، وإذا صعد مزاجه إلى السماء يمكن أن يكسر ويحطم كل ما تقع عليه يداه، تعبيرا عن الفرحة بالنصر.
وعلى ذكر النصر، يبدو أن علاقة المنتخب المغربي بـ”الفوز” في المونديال لن تتجاوز اسم رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، “فوزي” لقجع، الذي يستحق بالمناسبة أن نحاسبه على ضربة الرأس “البركانية”، التي جعلت المنتخب يخسر مباراته الأولى مع إيران، إذا ثبت فعلا أنه هو من أصر على ضم عزيز بوهدوز إلى التشكيلة الرسمية، فقط لأنهما ينتميان إلى المدينة ذاتها. الكثيرون يؤكدون أن سيئ الطالع لم يكن ليجد مكانا في تشكيلة المنتخب لولا لقجع، بل إن الزميل أحمد الدافري، كتب تدوينة مدهشة تنبأت بالكارثة قبل ثلاثة أسابيع، لو قرأها المشرفون على المنتخب لما “تبهدلنا” مع إيران. واستأذن الدافري في نشر ما كتبه على فيسبوك في 24 ماي الماضي تحت عنوان “مشكلة”: “عزيز بوهدوز، لاعب كرة قدم مغربي عمره 31 سنة. يلعب قلب هجوم في صفوف فريق ألماني اسمه سانت باولي ينتمي إلى الدرجة الثانية وكاد هذا الموسم ينزل إلى الدرجة الثالثة. لعب بوهدوز هذا الموسم مع فريقه الضعيف جدا 27 مباراة، لم يكملها كلها، وكان احتياطيا في بعضها. من مساوئ هذا اللاعب أنه بطيء الحركة بسبب السن والوزن، ولا يحسن المراوغات، ويضيع الكرات، ولا يعطي الكرات الحاسمة. يعني أنه لاعب ضعيف… ومع ذلك، تم اختياره ضمن لائحة المنتخب المغربي الذي سيشارك في مونديال 2018. لماذا؟ لأنه مسنود من رئيس الجامعة فوزي لقجع. فهما معا من مدينة بركان، وتربطهما علاقة صداقة وانتماء إلى المنطقة، هذه حقيقة لا جدل حولها… دابا اسمع آ سي فوزي، ماشي مشكل.. خوذ معك بوهدوز ديالك للمونديال على وجه العلاقة والصحبة. غير هو الله يرحم ليك الوالدين عنداك منين يبان لك قلب الهجوم الحقيقي بوطيب عيى، تخرجو وتدخل صاحبك باش زعما يتسجل ليه فالسيفي ديالو أنه لعب المونديال قبل ما يخرج تقاعد.. وقر عليك السيد راه عيان. ودخل الكعبي. راه أحسن منو بألف درجة… وأنت آسي بوهدوز ما يطيرلكش من هاذ الهضرة، راها ماشي حقد أو ضغينة، وإنما غير حيت خايفين عليك وعلينا من التخربيق والروينة…”. انتهى الكلام.
إذا لم يحاسب لقجع على الإصابة “البركانية”، فإنه يستحق المحاسبة على المبالغ التي صرفتها الجامعة على عدد من الفنانين والمنشطين الرديئين ورؤساء الفرق وخمسين برلمانيا، ذهبوا إلى روسيا لحضور المونديال، بعد ما آمنت لهم الجامعة مصاريف السفر وفنادق الإقامة وتذاكر الدخول إلى الملاعب، بأموال دافعي الضرائب، كأنهم أشخاص معدمين يحتاجون إلى المساعدة، حسب ما تناقلته وسائل إعلام محترمة، مما يجعلنا أمام “فضيحة” حقيقية، إذا ما تأكد الخبر. في الوقت الذي ينكب فيه البرلمان على دراسة مقترح قانون شديد الرمزية، يهدف إلى خفض معاشات البرلمانيين، في محاولة لرد الاعتبار إلى صفة “النائب” وانتشالها من مستنقع “الريع”، ها هم نواب غير محترمين يصرون على تلطيخ سمعة القبة، عن طريق التهافت على “الريع” أينما كان، باسم صفتهم البرلمانية. بدل التكفل بمصاريف هؤلاء النواب والفنانين المنحوسين، ألم يكن من الأجدر الالتفات إلى أبطال المنتخب السابقين، الذين يشاهدون المباريات في المقاهي؟ لماذا لم تفكر الجامعة في لمريس وفرس وخيري وغيرهم من أبطال المونديال؟ ألم يكن من الأجدى اختيار شباب وفتيان يمارسون كرة القدم من مختلف مناطق المملكة، وإرسالهم لتشجيع المنتخب من أجل زرع الحماس في الأجيال الجديدة لعلها تصنع أمجاد المستقبل؟ أما البرلماني والوزير والفنان والمنشط، إذا أراد حضور المونديال، ما عليه إلا أن “يحك جيبو”، مثل كل الناس، بدل نهب أموال دافعي الضرائب. في البداية قلنا إن كرة القدم مخدر قوي، والربح الوحيد الذي نجنيه منها هو تلك المتعة العابرة التي يمنحها الانتصار، ومادام “الانتشاء” هو لُب القضية، أقترح على الجامعة في المرات المقبلة أن ترسل هؤلاء الطفيليين إلى كتامة… النشوة مضمونة والمصاريف أقل!