بقلم : المختار الغزيوي
في كل رمضان يطل علينا النقاش ذاته بين قلة قليلة ترى أن من حقها أن تفطر علنا بين الناس، وبين أغلبية ترى أنه من واجب تلك القلة القليلة احترام عادات وتقاليد البلد إن لم تكن قادرة على احترام دين الأغلبية الغالبة من الخلق.
أصل الأشياء الحرية، وفي هذه النقطة بالذات لا يمكنك أن تجبر إنسانا على أن يصوم قسرا رمضان، لأنه من الممكن أن يختفي داخل مرحاض خلال العمل، أو في بيته أو في أي مكان آخر بعيدا عن الأعين، ويستطيع أن يفعل مايشاء بجسده وبما يدخل إلى جسده من مأكولات ومشروبات.
لذلك يبدو غبيا اليوم أن ينهض الجزء الأغلبي من المجتمع لكي يجعل معركته الأساسية والأولى في الحياة أن يطارد من لا يصومون رمضان، وأن يعاقبهم بقانون لامعنى له، وأن يفرض عليهم قسرا مالايريدون ممارسته من شعائر تعنيهم في الختام هم في علاقتهم بخالقهم، ولا تعني أحدا سواهم
بالمقابل لا بطولة في أكل رمضان إن جهرا أو تخفيا، ولا إنجاز في أن يضع الإنسان صورته على الأنترنيت، وهو يدخن سيجارة في النهار أو وهو يأكل موزة أو علبة ياغورت. لا إنجاز في الأمر على الإطلاق. هو فعل عادي ويومي “نرتكبه” جميعا في العام يوميا ثلاث مرات أو أكثر ولا يدخل في إطار الإنجازات البطولية، ولا يستحق أن تفرد له أسطر ولو معدودات في كتاب “غينيس” للأرقام القياسية.
لذلك أيضا يبدو من الغباء المفاخرة بالأمر أو اعتباره دليل مقاومة أو أي شيء من هذا القبيل.
الحكاية في مجملها غبية من الطرفين معا: من الطرف الذي يرى أنه من الممكن أن تجبر إنسانا على الإيمان بما لايريد الإيمان به، ومن الطرف الذي يرى أنه من الممكن أن تستفز مجتمعا بأكمله بالتمرد على عاداته وتقاليده والمجاهرة بهذا التمرد دون أن تنتظر رد فعل متطرف من هؤلاء الذين تستفزهم علنا بتصرفاتك
العقل في المسألة، وإن كانت حكاية العقل هاته غير مرغوب فيها في أيام الجنون الجماعي هاته، يقول إنه من الضروري احترام حريات الأفراد ومعها احترام عادات وتقاليد البلدان.
عندما يخرج المغربي إلى أوربا يلتزم بعدم التدخين في الأماكن العامة، ولا يستفز المجتمع هناك بالتمرد على هاته القاعدة لأنه يعرف أنها جار بها العمل في ذلك المكان.
فور عودة نفس المغربي إلى المغرب أول عمل يقوم به هو إشعال سيجارته في مكان عام ونفث دخانها في وجه الجميع والتلذذ بأنه من الممكن له أن يخرق قانونا احترمه في بلاد الآخرين قسرا دون أن يكون مقتنعا به طالما أنه في بلاده لا يطبقه.
بعض المعارك غبية، معذرة على الوصف. وهي تزداد غباء بسبب من يقودونها، والهزيمة في المنتهى هي ماينتظرها لا أقل ولا أكثر، وتقبل الله رمضان الجميع سواء كانوا صائمين أم مفطرين، أم كانوا في “البين – بين” يمضون اليوم كله جائعين عطشى دون أن يكون لهم من صومهم إلا هذا الجوع وهذا العطش بالتحديد…