فئران التجارب
ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 43,846 شهيدًا و 103,740 جريحاً منذ 7 أكتوبر 2023 وزارة الصحة اللبنانية تُعلن إستشهاد طفلتين ووالدهما وإصابة شخص في غارة العدو الإسرائيلي على الماري بقضاء حاصبيا الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأميركية مسؤولية المجازر الإسرائيلية في بيت لاهيا وقطاع غزةض تركيا السماح لطائرته بالعبور الرئيس الإسرائيلي يُلغي زيارته المخطط لها إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «COP29» بعد رفض تركيا السماح لطائرته بالعبور غارة إسرائيلية على بيروت تستهدف مركزا لـ«الجماعة الإسلامية» الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وجندي في اشتباكات بشمال قطاع غزة وزارة الصحة في قطاع غزة تُعلن إرتفاع عدد الشهداء منذ العام الماضي إلى 43799 ونحو 103601 مصاباً الخارجية الإيرانية تنفي المزاعم بشأن لقاء إيلون ماسك بممثل إيران في الأمم المتحدة وزارة الصحة اللبنانية تُعلن ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على البلاد إلى 3452 شهيداً و14.664 مصاباً استشهاد اثنين من قيادات حركة الجهاد الفلسطينية في غارة إسرائيلية على سوريا
أخر الأخبار

فئران التجارب

المغرب اليوم -

فئران التجارب

بقلم : رشيد نيني

ضيعونا باكرا، فعلوا كل شيء لكي نصبح جيلا بدون بوصلة، أعطونا أستاذا لمادة «علوم الحياة» يدرسنا خصائص الكائنات الحية مستعينا بفئران المختبر البيضاء، فانتحر قبل نهاية الموسم الدراسي بسم فئران المجاري الرمادية، ولكي يعاقبوا أستاذا ملحدا من حركة إلى الأمام عينوه لنا أستاذا للتربية الإسلامية يعلمنا الأحاديث والآيات ويسخر منها في نهاية الحصة، أما حصص التربية البدنية فقد جلبوا لنا أستاذة بدينة تتحرك بصعوبة لكي تعلمنا القفز العلوي والطولي، فقضينا السنة نناديها «باطوزا» ونقفز فوق سور الثانوية هاربين نحو البراري نصطاد الطيور ونمصمص سيقان النباتات المتوحشة.

لكل جيل من أجيال المغاربة صوت يجسد طموحه ومعاناته وأحلامه وانكساراته، لكل جيل كتابه وشعراؤه وفنانوه، أولئك الذين يعبرون عن قلقه وغضبه، مرحه وسخريته، صمته وهيجانه.

لذلك فنحن في حاجة ماسة إلى تلك البوصلات التي تقودنا نحو المستقبل، تلك المنارات المضيئة التي نهتدي بها في بحر هذا العالم المتلاطم، حيث القيم الجديدة المعلبة القادمة من وراء البحار، والثقافات العابرة للقارات، تمارس سحرها على الأجيال الجديدة وتغريها بأغان أرق من نشيد الحوريات.

نحتاج إلى من يفتح صفحات جيلنا للقادمين الجدد إلى مغرب الألفية الثالثة، حتى يعرفوا من نحن ومن أين جئنا وإلى أين نسير، أي محنة اجتزنا وأي مرافئ عبرنا منها، وأين نوجد الآن.

نحن جيل المسيرة، الذي مازال يسير بحثا عن نفسه وسط أحراش الوطن، فجأة جئنا ونزلنا ضيوفا على عائلاتنا كثيرة الأطفال.

بعضنا جاء بسبب خطأ جسيم في حساب الدورة الشهرية لوالدته وبعضنا الآخر جاء عن سبق إصرار وترصد.

جئنا ووجدنا قبلنا إخوانا لنا وأخوات، سيتركون لنا أحذيتهم وملابسهم التي لم تعد على مقاساتهم، نتوارثها كما يتوارث أبناء العائلات الكريمة الأسماء الرنانة والمناصب الحكومية. سيتركون لنا دفاترهم المستعملة ومطالعة «اقرأ» التي سنتوارثها بالدور مثل ثروات ثمينة، لكي نترك صفحاتها الملطخة بالحبر والمهلهلة من كثرة الاستعمال للذين سيأتون بعدنا. الأمهات تنتفخ بطونهن بانتظام كل سنة بنا، والآباء يقولون عندما نولد إن كل واحد منا ينزل من بطن أمه متأبطا خبزه. أرسلونا إلى الفقيه ليحفظنا سور القرآن في الصباح، وفي المساء جداول الضرب والقسمة ومحفوظة «قولوا معانا يا اللي تحبونا تحيا مدرستي أمي الحنونة».

تحملنا سوط الفقيه وبرودة الحصير ورائحة الصلصال وقسوة غسل اللوحة بالماء البارد في الشتاء، وفي الصيف تحملنا شمس غشت وحاربنا الملل بالسباحة في وديان وحفر مشكوك في نظافتها.

عندما داهمنا الجوع اقتلعنا نبات أغصان «الحميضة» ومصمصنا سيقانها الحامضة، وعندما عطشنا شربنا من ماء العين، تلك التي اكتشفنا عندما كبرنا أنها كانت مخلوطة بقنوات الواد الحار.

تعلمنا الصلاة لنصير أطفالا صالحين، وبدأنا نذهب إلى نافورة المسجد لنتوضأ ونلعب ونرش المياه ونبلل ثياب بعضنا البعض. طردنا الإمام الملفوف في جلابيبه الكثيرة، اتهمنا بالعمل مع الشيطان على إفساد صلاة الكبار وتكسير خشوعهم، وتوعدنا بأن يغطس رؤوسنا الصغيرة في حوض المياه حتى نختنق واحدا واحدا. خفنا وهربنا من المسجد، ذهبنا إلى ضريح الولي الصالح «سيدي بوخرواعة» نلهو حوله، نأكل التمر والتين المجفف الذي تجلبه النساء ويوزعنه على الفقراء الذين يتزاحمون أمام باب المقبرة.

سرقنا شمع الولي الصالح، الذي باسمه سرق الوزير وزوجته نصف أراضي الفلاحين الفقراء، وأضأنا به أزقتنا المظلمة.

سرقنا قطع السكر التي تضعها النساء قرب قبره لجلب الحظ لأبنائهن التعيسين والأزواج لبناتهن البائرات، وأكلناه مع الخبز. الولي الصالح سيسامحنا لأنه يعرف أننا كنا مجرد أطفال جائعين. مررنا بمقبرة النصارى حيث القبور مزينة بصور أصحابها وبورود رخامية ملونة. اقتلعنا الرخام وبعناه في سوق الخردة واشترينا بثمنه إسفنجا مقليا من دكان «مبارك الشفناج»، وهربنا حتى لا يرانا الحارس الذي يسهر على موت الأسياد في مقبرتهم المرتبة بعناية.

أدخلونا إلى المدرسة الحكومية لنتعلم النحو والقواعد ونتهجى التلاوة الفرنسية حيث ترعى «عنزة السيد سوغان» والطفل الأسود المدعو «باليماكو». عندما تعثرنا في قراءة التلاوة الفرنسية سخرنا من «باليماكو» وألفنا من أجله أغنية شامتة معتقدين أننا انتقمنا من فرنسا ولغتها الأم.

تلعثمنا كثيرا قبل أن ننطق حروفنا الأولى بالفرنسية، «مينا جولي مينا ميكي جولي ميكي». ملأنا محبرات بعضنا البعض بالماء عوض الحبر على سبيل اللهو. حفرنا عشرات الأمتار المربعة بحثا عن جذور تلك النبتة البرية التي عندما تحكها على قفا التلميذ يتحول من طفل وديع إلى بغل ثائر. مددنا أكفنا الصغيرة والمرتجفة للعصا، وعندما عذبنا معلمونا بالضرب نزلنا إلى الحقول نبحث عن ناقة شاردة لكي نجلس بالقرب منها وننتظر أن تتبول لكي نغسل أكفنا ونصبح مثل «جيمي» القوية، ولا شيء يستطيع أن يؤلمنا.

ومع ذلك آلمنا كل شيء. آلمونا وهم يضربوننا فيما نحن أمام باب السينما ننتظر «الأونطراكت»، ضربونا ونحن ننتظر «العباسية» خلال ربع الساعة الأخير من الشوط الثاني لندخل إلى ملعب كرة القدم، ضربونا ونحن نتزاحم أمام باب المسبح البلدي في انتظار أن يمنحنا الحارس العشر دقائق الأخيرة لنغطس فيها أجسادنا المحترقة من الحر في مياه نصفها بول ونصفها الآخر «جافيل» و«كلور».

كبرنا هكذا، بقسوة كبيرة وبحنان أقل، لكن كان علينا أن نكبر بمشقة، مثل نباتات وحشية في غابة بأشجار ضخمة تحجب عنها ضوء الشمس. تشبثنا بالأمل، ورفعنا رؤوسنا نحو الأعلى لنحصل على حصتنا من الضوء.

وعندما أخرجنا رؤوسنا إلى العالم وجدناهم مرة أخرى واقفين بسياطهم بانتظارنا. بابتسامتهم الشامتة ونظراتهم الساخرة التي تستكثر علينا أننا كبرنا نحن أيضا مثل أبنائهم، رغم السعال الديكي و«بوحمرون» و«العواية» والسل و«بوصفير». كبرنا بفضل حقن منظمة الصحة العالمية و«البي سي جي» و«البوماضا» التي كانوا يلطخون بها عيوننا الصغيرة والمعمشة. وعادوا إلى ضربنا من جديد، كما ظلوا يفعلون دائما معنا.

طردونا عندما وقفنا أمام أبواب مكاتبهم في العمالات وجئنا نطلب جوازات سفر لنتابع دراستنا في الخارج، أريناهم شهادات تسجيلنا في الجامعات ونقطنا الجيدة التي حصلنا عليها بسهرنا الطويل، أريناها للبلداء الذين لا شهادات لهم، فأخرجونا من مكاتبهم وطردونا بعدما تذكروا نقط أبنائهم المدللين ورتبهم المخجلة. ولكي يريحوا ضمائرهم الميتة نصحونا بالتعرف إلى بلادنا جيدا قبل الذهاب إلى بلدان الناس. ضيعوا مستقبل الآلاف منا بجرة قلم. ضربونا عندما جئنا نطالبهم بشغل. أرسلوا نصفنا إلى المستعجلات والنصف الآخر إلى بيوتهم محطمي الأضلع والأحلام. رفسونا في الشوارع بأحذيتهم الثقيلة، وداسوا شواهدنا العليا التي لم تعد تصلح سوى لرفعها في المسيرات الاحتجاجية.

بقينا أخيرا هنا كما أرادوا، وفجأة فهمنا لماذا أرادونا أن نبقى معهم، لأنهم كانوا محتاجين لجيل كامل يجربون فيه حقدهم. حقنونا كل مساء بالمهدئات في نشرات الأخبار لكي لا ننفجر في وجوههم وشرعوا يكذبون علينا في الحكومة والبرلمان.

تناوبوا علينا مثلما تتناوب عصابة من المنحرفين في مكان مظلم على امرأة وحيدة تعود إلى البيت بعد يوم عمل شاق. وعندما تعبوا منا رموا بنا إلى الشوارع وتركونا نقطع الطريق على بعضنا البعض بالسيوف الطويلة وشفرات الحلاقة وقنينات الماء الحارق.
تمنينا أن نصدقهم ذات يوم وهم يتحدثون عن مصلحتنا ومستقبلنا. تمنينا أن نصدقهم ذات يوم وهم يتحدثون باسمنا في كل مكان.

تمنينا أن نصدقهم ذات يوم وهم يعترفون لنا بالحب كلما اقتربت الانتخابات.

الكذابون المحتالون المنافقون.

شخنا قبل الأوان بسببهم ونخرتنا الأمراض المزمنة. كرهونا في البلاد حتى أصبحنا نرى أن الحل الوحيد لكي لا نصاب بالجنون هو أن نجمع حقائبنا ونغادر، مثلما تغادر امرأة تعيسة بيت زوجها السكير الذي يحطم أضلاعها كل ليلة.

نغادر كلنا ونتركهم وحدهم يكذبون ويصدقون أكاذيبهم. نحن فئران التجارب الذين لم يتركوا مخططا خماسيا أو عشاريا إلا وجربوه فينا. والنتيجة هي ما نراه الآن، جيل مشوه الخلقة يسير نحو المستقبل بخطوات «فرانكشتاين». هزمونا بالضربة القاضية، ومع ذلك لا زلنا نترنح فوق حلبة الوطن ونرفض أن نسقط ليرفع الحكم أذرعهم الغليظة ويمنحهم الكأس التي سيشربون فيها نخب هزيمتنا.

هزمونا غير أننا مازلنا واقفين نبتسم في وجوههم بسخرية لكي يفقدوا لذة نصرهم.

هزمونا في هذه الجولة، غير أنهم نسوا أن المقابلة لم تنته بعد وأن أمامنا أشواطا إضافية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فئران التجارب فئران التجارب



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:53 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
المغرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 07:38 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات نفسية
المغرب اليوم - وزير الصحة يُشير أن نصف المغاربة يعانون من اضطرابات نفسية

GMT 03:35 2015 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة علمية حديثة تكشف عن سر طول رقبة الزرافة

GMT 01:37 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين صبري تشارك رشاقتها بصور جديدة على "انستغرام"

GMT 21:42 2014 الأحد ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أب يتهجم على أستاذة مدرسة "يوسف بن تاشفين" الإبتدائية

GMT 04:50 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

ستوكهولم حيث جزر البلطيق والمعالم السياحية المميزة

GMT 17:45 2014 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

"ثورة" نسائية صغيرة في تسلق قمم جبال باكستان

GMT 22:05 2016 السبت ,20 آب / أغسطس

علامة تدل على إعجاب المرأه بالرجل

GMT 01:44 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"جونستون أند مارفي" أهم ماركات الأحذية الرجالية الفريدة

GMT 06:03 2017 الثلاثاء ,14 آذار/ مارس

عجوز صيني يرتدي ملابس نسائية لإسعاد والدته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib