بقلم : أسامة الرنتيسي
الدعوات التي تخرج بين الحين والآخر تطالب بالعصيان المدني تكشف عن بساطة مطلقيها، وضعف خبرتهم في الاحتجاجات الشعبية وشرارات الاعتصامات، فحتى الاعتصام مرة أخرى على الرابع أصبح بعيد المنال، بعد ان دخل اعتصام الرابع الشهير معامل التحليل عن جهات التصنيع والتوجيه والهدف منه، لتضيع الطاسة، ويفقد بريق النتائج التي حققها، بعد أن جاءت حكومة في الأقل رئيسها وبعض أعضائها من رحم الداعمين لتوجهات الرابع وأفكارهم.
إذا كان د. عمر الرزاز غير محظوظ أبدا في الفترة التي ترأس فيها الحكومة، وكان مزاج الشارع فيها فائرا لا يقبل بأنصاف الحلول ويريد أن يرى إصلاحا سريعا، فإن قابل الأيام أصعب بكثير، وستتلاشى موجات الترحيب كلها وحتى الغزل عند أول منعطف لا يأتي على سكة المزاج الشعبي، ويكون متناغما مع مطالبه.
نحن نعيش في زمن جديد ومتغيرات أصابت بنيان المجتمعات، زمن عربي تتفتح فيه جنائن الحريات والمطالبة بالتغيير والإصلاح. ونحن في زمن أردني مثقل بالتحديات الكبرى، وفيه يبحث أصحاب القرار السياسي عن كلمة السرّ التي ستفتح على باب التغيير وتلبية متطلبات برنامج إصلاحي بات ضروريا وملحًا لا يحتمل التأجيل.
ليس بالضرورة أن يحمل قرار تغيير الحكومات معاني تغيير السياسات الرسمية القائمة التي أثقلت كاهل المواطن وربّما أفقدته رشده، وتبنّي سياسات إصلاحية جادّة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعها.
في الأسبوع الأخير التقطت الحكومة فكرة ربط قضايا وعناوين الأزمة الاقتصادية بالحوار على مجمل مطالب الاصلاح السياسي في قانوني الانتخاب والأحزاب، بعد أن رفع بعض النشطاء شعار “لا ضرائب من دون إصلاح”.
يدور الحديث الآن أن تترافق مفاصل الإصلاح السياسي مع نظم وتشريعات اقتصادية ذات دلالات اجتماعية ومعيشية، تشكّل همّا وكربا يوميا لآلاف العائلات الأردنية. وبهذا الواقع، إن لم يطرأ عليه تغيير جذري في تفكير الحكومة وبقيت السياسات والتشريعات الاقتصادية على حالها، فإن لغما ما سيبقى في حضن الحكومة، لا أحد يعلم متى سينفجر.
كلمة السرّ الدقيقة التي لا تخطئ هي اعتماد استراتيجية جادّة للإصلاح السياسي والاقتصادي المعيشي والمباشر، فالفئات الفقيرة التي وقع عليها ظلم الجشع والفساد ونهب المال العام وغياب الحريات هي التي يجب أن تتلمّس بأيديها منافع الإصلاح، لا أن تدفع ثمنه مرّتين.
الجرأة والشجاعة تقتضيان دفع مستحقات الإصلاح السياسي والاقتصادي من جيوب ومصالح الفئات التي أوصلت البلاد إلى حواف الانهيار.
لكن في المحصلة وبتشاؤم شديد من الحال المايل أراهن على ثلاثة أشياء:
اولا؛ لا عودة مرة أخرى لاعتصام الرابع حتى لو مر قانون الضريبة مثلما تريده الحكومة وصندوق النقد الدُّولي.
وثانيا؛ لن يعرقل مجلس النواب كثيرا قانون الضريبة، سنسمع معارضة شرسة عنيفة، لكن النواب كرماء، وسيقرونه على الحارك!.
وثالثا؛ دعوات الحكومة للحوار لن تختلف عن سابقاتها، ولن تنتج شيئا، هذا إذا لم نعد للوراء أكثر وأكثر.