ليس أبو الليث؛ الفنان الكبير زهير النوباني الذي يقبل أن يخذله قلبه قبل أن يحقق أحلامه وطموحاته، وهي كبيرة وعميقة، لا تتسع أوطاننا المترهلة على حملها، لكنه بقلبه الصغير حمل هذه الاحلام كلها، ومازال يناضل من أجلها.
لا يناضل النوباني بالفن فقط، بل يناضل بشتى صنوف النضال أيضا، فهو مشتبك دائما مع الاضاءات الجميلة جميعها من حولنا، إذ دائم الحضور في كل فسحة أمل يجد فيها متسعا لفرح ينشر من عبقه البهي لمسات حياة ونور.
تجده في معظم الأنشطة، الفنية بأنواعها المختلفة، في المعارض التشكيلية والفلكلورية، في المدارس وبين الطلبة يصنع معهم الحياة والجمال، وفي سهرات الحب والفرح له بصمات خارقة عندما يغني الجميع لسا الاغاني ممكنة.
في حفل تأبين سنديانة الأغنية الاردنية المرحوم توفيق النمري في 12/12/2011
لم يتمالك يومها – النوباني – أعصابه، وأصر على اعتلاء المنصة، وأمسك المايكروفون في نهاية الاحتفال التأبيني وقال: إن تكريم المبدعين يكون بحفظ كراماتهم أحياء وأمواتا، والفنان النمري الذي رسم معالم الأغنية الأردنية لأكثر من ستين عاما، مات ولم يحصل على تأمين صحي من الإذاعة الأردنية التي أفنى عمره بين جدرانها، زهرته وكهولته. ولن تنفع الكلمات، إذا لم تكن مترافقة مع حفظ كرامة الفنان والمبدعين.
صرخة الفنان النوباني الحاصل على وسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الأولى تقديرا لعطائه المستمر وجهده المتميز في تقدم مسيرة الدراما الأردنية وترسيخ التراث الأردني، جاءت بعد صرخة نقيب الفنانين السابق حسين الخطيب التي أوجع فيها القلوب من الحالة الصعبة التي وصلها الفنان الأردني، الذي اضطرت النقابة إلى تنظيم جنازة رسمية تنعى فيها الفنان الأردني.
قبل صرختي النوباني والخطيب، كانت الفنانة المبدعة سهير فهد، وعدد من الفنانين الأردنيين قد انشأوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بعنوان “من سينتصر للفنان الأردني؟”.
وقالت سهير إنها تأتي لتسليط الضوء على ما يعانيه الفنان الأردني بعد أن مرت 4 حكومات على نقابة الفنانين الأردنيين، من دون أدنى استجابة لمطالب الفنان الأردني بالدعم الذي وجه به الملك عبدالله الثاني.
واقع الحال الذي يعيشه الفنان الأردني تجسد فعليا في وفاة الفنان محمود صايمة، الذي أجمع عدد كبير من زملائه أنه مات مقهورا من الأوضاع الاقتصادية التي كان يعيشها.
ولم يكن صايمة وحيدا في هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه الفنان الأردني، فمعظم الفنانين الأردنيين يعيشون أوضاعا صعبة، بعد أن استبعدت شركات الإنتاج العربية الفنان الأردني من حساباتها، وبعد خراب أوضاع شركات إنتاج محلية، وضيق حال القائمين عليها، وإغلاق التلفزيون الأردني أبوابه في وجه الفنان الأردني، وأمام الإنتاج الحقيقي الذي كان يوفر دخلا معقولا لعدد من الفنانين، عندما كان التلفزيون يفكر في الإنتاج والإبداع، وعندما كان التلفزيون، تلفزيونا، وليس استديوهات عفا عليها الزمن، كما تجاوزتها التكنولوجيا الحديثة.
يحتاج الفنان الأردني إلى دعم الدولة، ودعم المؤسسات وشركات القطاع الخاص، ودعم أطياف المجتمع الأردني كافة، لأن أي مجتمع لا يحترم ولا يقدر مبدعيه، مجتمع جاحد، لا يعرف كيف تكون الحياة، وكيف تكون جافة صحراوية بلا ربيع.
لا يحتاج الفنان الأردني إلى حفلات تكريم بعد الموت، ولا دروع وأوسمة تمنح إلى أسرته، ولا كلمات تقال في حفلات التأبين، ولا حتى إطلاق اسمه على شارع، إنما يحتاج فقط إلى أن يحترم إبداعه، ويصان من نظرة زوجة معاتبة، وأبناء قد يصلون إلى مرحلة الكفر بالفن والإبداع الذي لا يؤمن لهم حياة كريمة، ولا يؤمن مصدر رزق يغني عن قروض لا يتمكن الفنان من الالتزام بتسديد أقساطها.