بقلم - أسامة الرنتيسي
نعيش في زمن، يطغى فيه فكر متشدد متخلف متطرف على يوميات حياتنا، لا يمكن مواجهته بالسلاح والحروب فقط، بل تكون المواجهة الحقيقية بالفكر المتنور، الذي يكشف عن حقيقة فزاعة ما يغزو وسائل الإعلام والحياة من أصحاب عقليات قطع الرؤوس، وسبي النساء، وإلغاء الآخر، وتكفير من لا يتفق مع هذه الأفعال.
بالفكر والفضاءات الرحبة، والمشروعات التنويرية الواضحة، والمثقفين الحقيقيين الذين يعرفون معنى الحياة جيدا، ندهم غياب المثقفين الأردنيين الفظيع عن المشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي الأردني، لندق معا على جدار الخزان.
المشكلة هي أن بعض المثقفين، غير مشتبكين مع الحياة، ويكتفون بحضور ندوات، يمارسون فيها الجدل البيزنطي مع ذواتهم، وفي أبعد الحالات مع شللهم، بينما عليهم كمثقفين ألا يدخلوا في نقاش أية قضية ويلتزمون بها، من دون أن يتركوا لأنفسهم هوامش تمكنهم من التفكير وتفسح لهم عند الضرورة فرصة للمراجعة والتراجع من دون أن يفقدوا ولو شيئا يسيرا من شرفهم الثقافي، فمن حقهم أن يقتنعوا بما يشاءون على ألا ينسوا أنهم مسؤولون، فكثير من المثقفين العرب تواروا عن الأنظار والإبداع لأنهم تخندقوا في مواقع أتى عليها الانهيار.
لا أحد ينكر أن الثقافة والفكر بشكل عام تعانيان من التوتر، انظروا كيف يحظى مطربو “الهشك بشك” بالاهتمام والرعاية أكثر من المفكر والفيلسوف والشاعر والمبدع. المثقفون وقادة الرأي استقالوا وتركوا أمر الثقافة للمشبوهين والعابرين.
إذا اختار المثقفون ألا يتحركوا، واختار رجال الفكر ألا يفكروا فإن الساحة يملأها الفراغ القاتل والمبتدئون، فلا يكفي أن تفتح الصحف لهؤلاء، لنظن أن الثقافة موجودة؟ لأن الناس ينتظرون من المثقفين أن يهتموا بالمجتمع، وأن يخلقوا الحل في إطار متنوع يفتح الآفاق ويبعث الأمل، وأن يثيروا معركة مجتمع حقيقية تتفاعل فيها الآراء، وتسهم التوجهات كلها في تكريس الديمقراطية، وإتاحة الفرصة للاختلاف في الرأي، والمواجهة الفكرية السليمة التي تحتوي الفروق، وتوجه التناقضات في القنوات التي أبدعتها التجارب البشرية عبر القرون.
لقد أصيب العقل بانتكاسة، فأفلست الكلمة عندما غاب المثقفون الحقيقيون، لذا على مثقفينا أن ينزلوا من أبراجهم العاجية.