بقلم ـ أسامة الرنتيسي
في لحظات معينة، وحتى تصل الفكرة بوضوح من القادة الكبار، يغردون على توتير، أو يكتبون على صفحاتهم على الفيس بوك، يفعل ذلك جلالة الملك، ويفعلها الرئيس الأميركي ترامب، ومعظم القيادات السياسية والاقتصادية في العالم.
وحدهم سياسيونا، أو للدقة معظمهم، يتباهون أنهم أميون، ولا يؤمنون بوسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم يخافونها ويرتعبون من أشخاصا.
أتحدى أكثر وزراء الحكومة الحالية، أن يتفاعلوا مع وسائل التواصل الاجتماعي، ليس لهم صفحات، ولا يغردون على توتير..
حتى أن وزير التربية والتعليم السابق، الذي ترك المدارس والتعليم وذهب للفوسفات (بالمناسبة شو العلاقة بين التعليم والفوسفات) كان يتباهى ببيانات ساخنة أنه لا يملك صفحة على الفيس بوك، وإن كل ما ينقل عنه زورا وبهتانا.
للأسف، كثير من السياسيين والمسؤولين من أوزان ثقيلة، وإعلاميين وصحافيين يحتلون مواقع متقدمة، وفنانين من أصحاب الشهرة الكاسحة، يتفاخرون بأنهم لا يتعاملون مع وسائل الإعلام الحديثة، ولا يعرفون ما هي قصة الفيس بوك وتويتر، وليست لهم صفحات خاصة على هذه المواقع، وكل ما ينشر عنهم فيها إنما هو اختراعات من قبل مغرضين يحاولون النيل منهم ومن إنجازاتهم.
هؤلاء أنفسهم يتصدرون الندوات والمؤتمرات واللقاءات المتلفزة والحوارات الساخنة ليتحدثوا عن دور الشباب، وأهمية بناء استراتيجيات لهم، يخاطبون الشباب بلغة خشبية لا يفهمونها، ويصيغون خطابًا شبابيًا يرتكز على ما تعلموه قبل خمسين أو ستين سنة، لكن؛ عندما يأتي الأمر على ذكر الوسائل التي يتقنها الشباب، ويبدعون فيها، ولا يتعاملون إلّا معها، لحظتها يستنكر السياسيون والإعلاميين الأميون في التكنولوجيا أن لهم علاقة من قريب أو بعيد بهذا الأمر.
السياسي الذكي، والإعلامي العبقري، إذا لم يستطع التخلص من أمية التكنولوجيا بإمكانه الاستعانة بشاب عبقري يدير له أعماله التكنولوجية، لكن تحت عينه، ويتحمل مسؤولية كل ما ينشر على لسانه من مواقف، وفي هذه الحالة يقترب أكثر من لغة العصر، ومن وسائل التواصل، ويعرف ماذا يريد الشباب تحديدا.
تستفز لقطات في المشهد السياسي الأردني، عندما ترى رجالات الحقبة العرفية يتصدرون مناسبات الحديث عن الإصلاح السياسي، ويبدأون سيل الكلام والعبارات التي تمجد الإصلاح السياسي، وأن لا تطور للبلاد إذا لم يتم الشروع في الإصلاح السياسي الحقيقي، ويدافعون عن الحريات، وعن التعددية وضرورة احترام رأي الآخر.
هذا التناقض العجيب في عقلية رجالات المرحلة التي لا أحد يتمنى أن تعود إلّا هُمْ، يصيب المرء بالانفصام، عندما يستمع إلى عقلية عرفية تنظّر بالديمقراطية، وإلى خطيب يعتلي منبر مهرجان أو مؤتمر، فتستمع إلى خطاب مختلف متناقض مع شخصية المتحدث.
وسائل الإعلام الحديثة كشفت الكثير عن عيوب المثقفين المزعومين، وعن تكلس عقلية السياسيين الذين لا يؤمنون بنظرية التطور، وإنما بنظرية؛ “خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام”.
الدايم الله….