قبل أيام قام همجيون أو همجي متخلف باعتداء سافر على مقبرة للمسيحيين في إربد، وحسب ما نقل من صور قام بالعبث وتكسير لوحات القبور في حادثة تكررت أكثر من مرة.
رسالة سلبية أراد شخص بائس، أو جهة أكثر بؤسا، إرسالها إلى الأردنيين المسيحيين، ومن دون تضخيم للحدث، خسئ من يفكر بإشعال فتنة ما، فالاردنيون عصيون على الانسياق لهكذا أمراض، وأذكى من الالتفات إلى صغائر الأمور وأتفهها.
قبل هذه الحادثة البائسة بأسبوعين، راق لي بوست على الفيس بوك كتبه بإبداع وذكاء حاد وبعد نظر الصديق المهندس كمال مضاعين قال فيه:
أقتبس “أخطر ما يواجه الأردنيين المسيحيين هو الإحساس ( بالأقلية) أي إحساسهم أنهم أقلية دينية قبل أن يكونوا عربا وأردنيين، هذا فايروس قاتل وللأسف، بعض الكنائس تسهم بنشره، ستكون أقلية فقط حين تحس أنك أقلية .. وتتقبل التمييز ضدك وتلعب دور الضحية. العرب المسيحيون هم الأصل وهم عرب أولا ورواد تنوير” انتهى الاقتباس.
لنعترف أنه في ظل ازدياد المخاوف التي يولدها التطرف المنتشر في بلادنا العربية، وفي ظل توسع النزاعات التي في جذرها غير المخفي نزاعات طائفية، يتم فيها القتل على الهوية والاسم، ولهذا ازدحمت في السنوات الأخيرة كنائس الأردن من المهجرين المسيحيين من العراق وسورية، بعضهم يضع الأردن محطته الأولى للهجرة إلى خارج العالم العربي، وبعضهم الآخر لا يملك مقومات تأمين الهجرة، فينتظر إلى حين يستتب الأمن في بلاده للعودة إلى وطنه وبيته وأهله.
قبل نحو سنتين، كشف رئيس المعهد الملكي للدراسات الدينية د. كامل أبو جابر عن أرقام مرعبة حول انخفاض أعداد المسيحيين في الأردن بنحو 3%, والأكثر رعبا كانت دراسة وتقرير كشفت عنها دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية في تقرير عنوانه”عزل وظلم: عيد الفصح تحت الاحتلال” عن تسارع وتيرة هجرة المسيحيين من الأرض المقدسة منذ عقدين وأن هجرة المسيحيين متواصلة وبتسارع.
ونتج عن ذلك انخفاض حاد في عدد المسيحيين في القدس وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة, ما أدى إلى التراجع التدريجي للوجود المسيحي والطبيعة المسيحية للمدينة المقدسة.
أرقام أبي جابر, أرجعت أسباب تراجع عدد المسيحيين في الأردن إلى عوامل عدة, منها ما ارتبط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخصائص الثقافية والمهنية, إضافة إلى الهجرة وجاذبية الدول التي هاجروا إليها .
أما تقرير منظمة التحرير فقد أفاد أن الأسباب التي تدفع المسيحيين إلى الهجرة هي نقص الحرية والأمن والتدهور الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والتعليم خارج البلاد ولمّ شمل العائلات والجدار الإسرائيلي والحواجز العسكرية والتطرف الديني.
مهما تكن الأسباب، فإن تفريغ الأرض العربية من أحد عناصر مكوناتها الأساسية جريمة مكتملة العناصر, وتفريغ القدس تحديدا من أحد جدران حماتها الحقيقيين, هي سياسة صهيونية تعرف جيدا حقيقة المسيحيين العرب.
وحتى لا نفعل مثل النعامة وندفن رؤوسنا في الرمل, لنتحدث بصراحة, إن حجم القلق لدى المسيحيين العرب، ليس في الأردن وفلسطين تحديدا, بل في معظم الدول العربية, في ازدياد منقطع النظير, وتضاعف أكثر بعد مخرجات الربيع العربي, وسيطرة الخطاب الديني على الخطاب المدني, وأصبحت المجتمعات مختطفة للطروحات الدينية والمذهبية والصراعات الطائفية، وبعد ظهور عصابة داعش وممارساتها الإجرامية في العراق وسورية وليبيا ارتفع منسوب القلق أكثر وأكثر.
هل ينكر أحد أن تصريحا لأحد المشايخ, يدعو فيه إلى هدم الكنائس في الجزيرة العربية جميعها, لا يمكن أن يمنح الاطمئنان, لأي مسيحي حتى المسيحي العلماني, كما أنه لا يمنح المسلم الشعور بالأمان من سطوة رجل الدين إن وصل إلى السلطة, وأصبحت الفتاوى نظام الحكم, لا القانون.
وهل ينكر أحد أن كثرة الفتاوى وبعثرتها, وتدخلها في كل شؤون الحياة, تسبب رعبا على الحياة المدنية.
وهل ينكر أحد أن هدم كنيسة في مصر أو العراق, يجعل المسيحي العربي في هذه البلاد يفكر جديا بالبحث عن الأمن والأمان في أماكن أخرى
وهل ينكر أحد أن بروز التيارات السلفية, وخطابها الديني في التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى, وخروجها إلى شوارع الزرقاء مثلا حاملين سيوفا حتى لو كانت بلاستيكية, ألا يثير ذلك مخاوف المسيحيين العرب.
أقولها بالصوت العالي إن بقاء المسيحيين العرب هو جزء أساسي من مكونات الأمة ومصلحة وطنية للأقطار العربية والأمة بشكل عام وفلسطين بشكل خاص.