بقلم ـ أسامة الرنتيسي
مثلما تمسك الإسرائيليون بوعد بلفور، تمسك به بعض القادة العرب، وقدموا وعودا خدمت إسرائيل أكثر مما خدمها السير آرثر جيمس بلفور بوعده المشؤوم.
بعد 100 عام على الوعد المشؤوم، لا يزال النضال الوطني الفلسطيني يرسم تجليات مختلفة، يخبو أحيانا، وينتفض معظم الأحيان، لكن بقناعات أن فلسطين للفلسطينيين لا يقبلون بوطن غيرها مهما كان جبروت إسرائيل وموازين القوى.
ومثلما كان وعد بلفور هلاميا وخياليا لكنه ترسم ونجح 100 عام، فلم لا يكون مقطع فيديو بعنوان “ليلة سقوط إسرائيل”، متداولا منذ نيسان 2011 على موقع “يوتيوب” يُظهر هذا المقطع إعلان الدول العربية إضافة لإيران الحرب على إسرائيل وتحرير الأراضي العربية المحتلة كلها.
وقد جاء تسلسل هذه الحرب الافتراضية في المقطع على الشكل الآتي: تظهر صورة للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد على قناة الجزيرة مباشر، وضمنها خبر عاجل “إيران تعلن الحرب على إسرائيل”، ويحدد المقطع أنواع الصواريخ الإيرانية التي ستضرب المستوطنات الإسرائيلية، ومدى كثافة القصف بهذه الصواريخ، ثم تعلن الأردن تحرك مدرعاتها على خط الجبهة “الإسرائيلية” وسط تخبط إسرائيلي.. وفصائل المقاومة تنبذ الخلافات في الضفة، وتطلق صواريخها نحو المستعمرات، والاستشهاديون يتسربون إلى داخل إسرائيل، والجنوب اللبناني يشتعل بصواريخ في السماء تهبط على رؤوس الإسرائيليين،
وسورية (قبل الثورة والحرب) تهاجم هضبة الجولان وتسترجعها، وتحطم أنف الجيش الإسرائيلي المتغطرس، والسعودية تهاجم الحدود الشرقية في إسرائيل، وليبيا (قبل زنقة زنقة) ودول المغرب تحرك أساطيلها البحرية نحو موانئ إسرائيل، والمغرب يغلق مضيق جبل طارق أمام الأساطيل الأميركية، واليمن (أكيد قبل: فاتكم القطار)، وجيبوتي والسودان (قبل التقسيم) يغلقان خليج عدن، ويعلنان البحر الأحمر منطقة حربية.
ويأتي الرد الإسرائيلي على لسان الرئيس الإسرائيلي “شمعون بيريز” وسط احتراق المستوطنات الإسرائيلية، ويطلب من الأمم المتحدة الاجتماع لمناقشة “العدوان العربي على إسرائيل”، ويفشل مجلس الأمن الدولي في وقف إطلاق النار.
ثم يجتمع مجلس الأمن لمناقشة العدوان العربي على إسرائيل، ويفشل في وضع خطة لوقف إطلاق النيران، وتتقدم الجيوش العربية داخل الأراضي الفلسطينية، وتطوق المدن الرئيسية (الخليل، جنين، نابلس، طولكرم، رام الله)، وتفشل مساعي التهدئة وضبط النفس، والمبعوثون الدوليون يطالبون المجتمع الدولي بالتحرك ضد العرب، الذين يرفضون التسوية ويتقدمون إلى القدس، التي يحاصرونها للأسبوع الثاني، ومازالت الطائرات السعودية والسورية تقصف المدينة، وتطالب إسرائيل المجتمع الدولي بالوقوف معها ضد الطغيان.
بعد ذلك تستعيد الجيوش العربية القدس وتغسلها من الآثام، وتجتمع محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في مجازر الإسرائيليين أثناء احتلالهم فلسطين، ويتم تقديم رموز الصهيونية إلى المحاكمة في مشهد لن ينساه التاريخ. وتعود الجيوش العربية إلى بلادها رافعة راياتها، وتبدأ مرحلة العمران وإعلان قيام دولة فلسطين، التي تحصل على مقعد دائم في الأمم المتحدة، وتعم الاحتفالات البلاد العربية والإسلامية. وينتهي الفيلم الذي يبدو أنه من إنتاج أنظمة عربية بائسة، لا تعرف تقنيات السيناريو ولا الحبكة ولا الإخراج، مثلما تفعل في رواياتها لما يحدث في عديد مدننا العربية الجريحة، بتقديم الاعتذار من فلسطين، لأن ما تم تصويره لا يعدو مجرد حلم، ويكذبون بأنهم يسعون لتحقيقه.
الدايم الله….