بقلم - أسامة الرنتيسي
الأول نيوز – صَفَنْتُ كثيرًا خلال افتتاح مؤتمر رؤى الملك (خريطة طريق نحو دولة المُواطنة وتطور المجتمع) الذي استضافته جامعة البترا مدة يومين بحضور نخبة من الباحثين الأردنيين والعرب والأجانب.
نتحدث عن دولة المُواطنة، والمنصة الرئيسية في الافتتاح ضمّت رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز – أردني من أصول شامية – ورئيس جامعة البترا الدكتور مروان مولا – أردني من أصول شيشانية – والنائب الأول لرئيس مجلس النواب الدكتور نصار القيسي- أردني من أصول فلسطينية – ورئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر محمد داودية – أردني من الطفيلة – فهل هناك أجمل من لوحة الفُسيفساء هذه التي تُشكل قاعدة المُواطنة الأردنية.
لا مشكلة نهائيًا في قضية المُواطنة في الأردن من زاوية المنابت والأصول، فالهُوية الأردنية جامعة لهذه المكونات جميعها، ولا خلافات حول الحقوق والواجبات التي يلتزم بها الأردنيون جميعهم من زاوية المواطنة، حتى لو ارتفعت أصوات تشكو من المحاصصة.
ليست أصواتٌ متناثرةً فقط التي تشكو من المحاصصة والجِهَويّة، بل تجرّأ تقرير رسمي صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول “حالة البلاد” قبل أشهر وأقرّ بأن “محاولات الاصلاح تعثّرت بسبب المحاصصة وتوزيع المكتسبات والمناصب على أسس جِهوية وفَرعية وبأن مفاهيم دولة القانون والعدالة ومعايير الكفاية والرقابة والمساءلة غابت”.
عناوين كثيرة تَغيِب فيها المُواطنة بدءًا من تغيير أسس القبول في الجامعات، والتخلّص من نظام الإعفاءات والكوتات، والحقوق المكتسبة، بحُجّة كيف يحصل أبناء المدارس المُؤهلة تعليميًا على فرصة جامعية مثلما يحصل طلبة المدارس والمناطق الأقل حظًا، الحل بسيط، هو رفع كفاية هذه المدارس أكاديميًا وتعليميًا، لا باللطم على الأوضاع الصعبة.
عندما ناقشنا قضية العنف الجامعي في وسائل الإعلام وتحت قبة البرلمان سمعنا أفكارًا كثيرة وملحوظات تغطي قضية العنف التي لا علاقة لها أبدًا بالجامعات فقط، فبُنيان المجتمع أصبح يتسم بالعنف، سلوك الأفراد في الشارع والمطعم، مع الجيران، مع أبناء الأسرة الواحدة، كلهم ينتظرون لحظة الانفجار، ولا تدري متى يثور جارك في وجهك، او زميلك في العمل، او الذي في السيارة المجاورة في الشارع.
لندقق جيدا، بدأ العنف المجتمعي في البلاد، بعد أول انتخابات برلمانية أُجريت في 1989، بعد ذلك، وبعد ان استوردنا الصوت الواحد بثقافته التخريبية والتفتيتية، ارتفع منسوب العنف في البلاد، واصبحت الانتخابات على كف الشيطان والتزوير، وتمزق نسيج المجتمع، حتى بدأت إفرازات هذا التمزق تظهر في أماكن كثيرة، كانت الجامعات حلبتها الرئيسية.
إذًا، الحماية الحقيقية لسلوك المجتمع العام، تحتاج الى رافعة سياسية إصلاحية تحمل هذا السلوك الرفيع المحترم، ولا أروع من قانون انتخاب عصري ديمقراطي يحمي هذا البُنيان، ومن هنا نبدأ المدماك الأول.
والثاني، نبدأ فورا بالتخلص من كل الغثبرة والهوس والأمراض التي تسكن بعض النخب حول مفاهيم الحقوق المكتسبة والأصول والمنابت، والهُويات الضائعة، والمُضيّعة، وفك الارتباط، وربط الانفكاك، واستهداف العشائر.
الف محاضرة ومؤتمر وخطابات وأوراق نقاشية ملكية جديدة، لن تعالج قضية المواطنة إذا قرر موظف ما في دائرة حكومية ان يقلب جواز سفرك او الهوية المدنية ويسألك “ابوك اصلا من وين….”
الحل باختصار، تكريس دولة المُواطنة بالقوانين والتعيين في الوظائف والقبول في الجامعات وفي كل مناحي الحياة.
الدايم الله……