بقلم: أسامة الرنتيسي
المفكر الدكتور إبراهيم بدران صاحب كتاب “عقول يحاصرها الضباب – أزمة التعليم في المجتمع العربي” لخص ما يمر به مجتمعنا الأردني حاليا بأن كل شيء أصبح عاديًا.
أخطر قضية تمر في حياة الأردنيين لا تعيش أكثر من 48 ساعة، وبعد ذلك تُقلب الصفحة ويتم تسخين حدثٍ جديدٍ، ولا يعود أحد لأي حدث وقع خلال الأيام الماضية.
من حسنات شعوب دولة وسائل التواصل الاجتماعي أنهم مجدِّدون، فلا تصمد أية رواية أكثر من يومين أو ثلاثة، وبعد ذلك يتم البحث عن قصة جديدة، صورة جديدة، فيديو مفبرك.
حولتنا وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الهجوم على كل شيء إلى آلات يتم تحريكها وتسخينها وتبريدها ولا تحمل في عقلها شيء مما يحدث حولها.
كيف أصبح كل شيء عاديًا.. لم نعد نتأثر كثيرا بمشاهد لم نكن نتخيل يوما مشاهدتها في الواقع، تصوير جنازة ولحظات دفن المتوفّى، والدك عندما يدخل غرفة العمليات لإجراء عملية قلب مفتوح، شاب يحترق داخل سيارته نصوره ونرسل الفيديو إلى جمهور الأصدقاء، وإلى أهل الشاب ذاته.
نسمع عن شهداء في فلسطين فنسأل فقط كم عددهم، نشاهد اغتيالات في العراق فنبحث عن الفيديوهات، تتفجر بوابة أمام جامعة في الصومال فيقتل 90 شخصا أكثرهم طلبة فلا نتوقف كثيرا، أطنان من المتفجرات في إدلب لا تحرك فينا ساكنا عن مصير أربعة ملايين سوري في المنطقة، يغزو أردوغان ليبيا بالعصابات فلا نصفن لحظة بما يجري، تقتل الطائرات الأميركية عناصر من حزب الله العراقي فلا يهمنا عدد القتلى ثلاثين او أربعين.
أصبح مجتمعنا هشا يصدق أية رواية مهما كان حجم الغرابة فيها، يأخذها مسلّمات، ومهما توسعت التوضيحات والنفي والاستنكار يبقى لهذه الروايات ذيول ومصدقون مقتنعون أن أصل الرواية صحيح، وهناك من يريد أن يغطي على أمر ما.
أكثر ما ينقصنا في منظومة الأخلاق العامة هذه الأيام فقدان معاني التسامح، وغياب ثقافة الصّبر، وهما – حسب رأي صديق – القيمتان الأساسيتان في الحياة، من يُتقنهما ويتقن التعامل بهما يعرف جيدا أين يضع قدميه، ويعرف مآلات قراراته.
التسامح وثقافة الصّبر، يمنحان صاحبهما مساحة من الطمأنينة، كما يمنحانه فرصة إغاظة أعدائه، بحيث يحارون في أمره، وأمر قراراته، ومسار حياته.
بالله عليكم؛ كيف أصبح كل شيء عاديًا، وأصبحنا بلا إحساس بما يحدث حولنا…
الدايم الله….