بقلم - حسن البطل
في مراكز الدراسات الاستراتيجية العالمية، قيل غداة حرب أكتوبر 1973 إن العالم العربي هو القوة العالمية السادسة، بعد 45 سنة منها يبدو هذا العالم العربي «بلا وزن» حسب جزء من عنوان مقالة للزميل أكرم عطا الله («الأيام» الأحد 24 آذار الجاري)، تعقيباً على اعتراف ترامب بالسيادة على القسم المحتل من الجولان السوري، ومن قبل اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
سؤال الكاتب في مقالته: هل لولا استعادة مصر سيناءها لكان ترامب اعترف بسيادة إسرائيل عليها؟ جوابه هو: يتضح كم كان السادات مصيباً، فقد استعاد سيناء سلماً بعدما وصف بـ»حرب تحريك» واتهم بـ»الخيانة»، واستعاد نصر الله جنوب لبنان حرباً، وهو يتعرض لحالة نبذ من جانب دعاة «المحور السنّي» قبالة «المحور الشيعي».
هناك ما لا يُحصى من الكتب والدراسات العربية والإسرائيلية والعالمية، حول كيف أدار السادات حرب أكتوبر، وسنهتم بكيف سالم، فاتهم بـ «الخيانة»، والصلح المنفرد، كما جاء في بيان القيادة الفلسطينية غداة اتفاقية الفصل الثاني للقوات.
في المقابل، بماذا اتهمت حكومة غولدا مائير بعد تلك الحرب، ورفضها مبادرة السادات لانسحاب الجيش الإسرائيلي كيلو مترات عن ضفة السويس لإعادة فتحها؟ بالمسؤولية عن مقتل 2400 جندي إسرائيلي، وبالاستخفاف بقدرة جيش مصري بناه عبد الناصر على مجازفة شنّ حرب.
بعد الفصل الثاني للقوات، وصدور بيان اللجنة التنفيذية متهماً السادات بـ «الخيانة» توقفتُ شهراً عن الكتابة في «فلسطين الثورة»، ما أثار استغراب وتساؤل رئيس التحرير، واتهمني أحد زملاء هيئة التحرير بأنني «ساداتي».
تعرفون، ماذا قال الجيل العربي آنذاك وإعلامه وقادته عن معاهدة الصلح بعد «كامب ديفيد» 1979 عن «الصلح المنفرد» وخروج مصر السادات من الصراع مع إسرائيل.
من يتذكر أن السادات دعا قبل ذلك إلى مؤتمر تحضره مصر وسورية والأردن ومنظمة التحرير في فندق «مينا هاوس» لعقد سلام عربي مع إسرائيل في مقابل الانسحاب الإسرائيلي من سائر الأراضي العربية المحتلة، حيث رفعت مصر أعلام تلك الدول.
سورية لم تحضر، وفلسطين سايرت سورية، والأردن ساير فلسطين، ولم يذهب العرب إلى مفاوضات جماعية، كما ذهبوا إلى الحرب، فاختار السادات الذهاب منفرداً إلى الصلح مع إسرائيل، وفاجأ العرب والعالم بنيته الذهاب إلى القدس.. لكن قبل ذلك زار دمشق سعياً لإقناع حافظ الأسد بأن تكون شراكة الحرب شراكة في مفاوضات غايتها ربط الانسحاب من سيناء بالانسحاب من الجولان. قيل وقتها إن الأسد فكر حتى في اعتقال السادات بدمشق.
كان لمعاهدة «كامب ديفيد» المصرية ـ الإسرائيلية ـ الأميركية إطار يتعلق بالمسألة الفلسطينية عرف بـ «الحكم الذاتي الإداري» ومن ضمنه تشكيل «قوة شرطة فلسطينية قوية». جاء في النسخة العبرية لاتفاقية «الإطار» أنها لعرب «أرض ـ إسرائيل» في «يهودا والسامرة»، وفي النسختين العربية والإنكليزية وصفت بأنها تخص الضفة الغربية والشعب الفلسطيني فيها.
فشلت مفاوضات اتفاقية الإطار، لأن مصر لم توافق على مفهومها الإسرائيلي، وإسرائيل لم توافق على مفهومها المصري، والرئيس كارتر لم يستطع التوفيق بين المفهومين، ومنظمة التحرير لم توافق على الاعتراف بإسرائيل، التي لم تكن ناضجة للاعتراف بمنظمة التحرير، إلاّ بعد الانتفاضة الأولى 1987، التي تلت مفاوضات غير مباشرة أميركية ـ إسرائيلية ـ فلسطينية على خروج القوات الفلسطينية من لبنان بعد حرب العام 1982.
طردت مصر من الجامعة العربية، ونقلت مقرها من القاهرة إلى تونس، لكن عرفات ذهب بعد الخروج الفلسطيني الثاني من طرابلس لبنان إلى مصر، واجتمع بالرئيس مبارك، وكان ذلك موضع انتقاد فلسطيني وعربي، لكن أدى ذلك لعودة مصر للجامعة وإلى مقرها في القاهرة.
لاحقاً، طردت العراق لغزوها الكويت ثم عادت للجامعة، وطردت سورية بعد العام 2011، ولا تزال دول الجامعة مختلفة حول عودتها، حتى بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتبعه اعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان.
لكن، حتى قبل هذه الأوسلو، وبعدها حتى بداية الفوضى في سورية، أدارت أميركا مفاوضات مباشرة مع سورية وإسرائيل، وغير مباشرة، أيضاً، على شروط انسحاب إسرائيلي من الجولان، وشروط السلام السوري ـ الإسرائيلي.
في الحرب الحزيرانية 1967 حطّمت إسرائيل «خط ماجينو» السوري في الجولان، وفي حرب أكتوبر 1973 حطّم جيش العبور الناصري خط بارـ ليف في سيناء. في الحرب الأولى احتلت إسرائيل سيناء والجولان والضفة، وفي الحرب الثانية مهّدت لها مصر بـ «حرب استنزاف» وحرّرت بالقوة شريطاً في سيناء، ثم حرّرت سيناء سلماً. لكن في حرب 1973 فشلت سورية في تحرير الجولان، وخاضت بعدها حرب استنزاف صغيرة لتحرير الجزء الذي توسّعت فيه إسرائيل، وتم الاتفاق على فصل القوات.
اختلف الأسد مع السادات في هدف حرب 1973، ورأى أن جيش بلاده قادر على تحرير كل الجولان بالقوة، ورأى السادات أن جيش بلاده قادر فقط على تحرير سيناء حتى الممرات حرباً، كتمهيد لتحرير سيناء سلماً، ورفض اقتراح رئيس أركان جيشه سعد الدين الشاذلي بالانسحاب من المناطق المحرّرة للقضاء على «الثغرة» الإسرائيلية شرقي القناة. لماذا؟
لأن أميركا دخلت الحرب إلى جانب إسرائيل، بينما كان السادات أخرج الخبراء السوفيات قبل حرب أكتوبر، وبالتالي كان الجيش المصري سوف يتحطّم لو انسحب من سيناء لإبادة قوات «الثغرة» دون مدد روسي بالسلاح، في مقابل جسر جوي أميركي إلى إسرائيل وسيناء.
هناك رابط بين ترامب واليمين الأميركي، ونتنياهو واليمين الإسرائيلي، وهناك رابط بين «صفقة القرن» واعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبين ذلك واعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان.
على الأغلب، سيجدد ترامب رئاسته لفترة ثانية، وعلى الأغلب سيفوز نتنياهو بحكومة برئاسته، لكن الجولان السوري واستقلال فلسطين سيتأخران سنوات أخرى عن شروط الانسحاب من الجولان، وانسحاب إسرائيل من احتلالها للضفة الغربية.. إلى أن يستعيد هذا العالم العربي توازنه.
حسن البطل