بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي
أحداث الجنوب اليمني لا تزال تتصدر الأخبار بعد خروج الخلافات بين الشرعية والمجلس الانتقالي المستمرة منذ سنواتٍ إلى السطح، استطاع المجلس الانتقالي السيطرة بشكل كاملٍ على عدن في أربعة أيام فقط، إذن الحدث كان نتيجة تراكمات سابقة، وليس حدثاً من العدم.
ثم حدثت قبل يومين مواجهات عسكرية بين بعض قوات الشرعية والنخبة الشبوانية الجنوبية، لم تُعرَف تفاصيلها بشكل دقيق بعد، ولكنها بالتأكيد غير منفصلة عما سبقها من أحداث، ومن حق الشرعية أن تبسط قراراها على اليمن، ولكن هذا لا يمنع من التساؤل، هذا النصر السريع والحاسم على النخبة الشبوانية لماذا لم يحدث مثله على الجبهات القريبة والبعيدة في مواجهة الحوثي؟
قصة الرغبة لدى كثير من القوى التي تمثل جزءاً مهماً من مواطني جنوب اليمن - ولا أقول اليمن الجنوبي - في الاستقلال قصة معروفة، وشواهدها مستمرة عبر العقود الثلاثة الماضية، سواء مثّلها المجلس الانتقالي أم غيره، ولكن التوقيت الذي اختاره المجلس الانتقالي لم يكن موفقاً.
الحرب في اليمن قائمة على المرجعيات الثلاث، وقرار مجلس الأمن لدعم الشرعية، وبالتالي فالشرعية هي الممثل الوحيد للدولة اليمنية في مواجهة اختطاف ميليشيا الحوثي الإيرانية للدولة اليمنية، ومن دون الشرعية يسقط مبرر الحرب، ويفقد التحالف العربي الداعم للشرعية المبرر القانوني الدولي، وهذه نقطة مركزية يجب أن تكون لها الأولوية.
من أخطاء الشرعية - كذلك - أنها ألفت البقاء في حالة مترفة في الرياض، وليس على أرض الوطن، وفي الجبهات المفتوحة مع الجيش وضباطه وجنوده، ومع عناصر المقاومة الوطنية، وفي مواجهة مباشرة مع ميليشيات الحوثي، ودون أي ضغوط لصناعة الفارق في حرب قد تمتد لسنواتٍ طويلة في ظل الأوضاع القائمة حالياً، مع استحضار أنها حرب ضرورة، وليست حرب اختيارٍ بالنسبة للتحالف العربي.
نقد الشرعية هو جزء من التصحيح المطلوب، وناقدو الشرعية من داخل الشرعية نفسها كثر، وهو نقد يجب أن يؤخذ بعيد الاعتبار، حتى لا نشهد أحداثاً مماثلة لأحداث عدن، وحتى نستطيع أن نرى آثاراً فعلية تتوازى مع الدعم غير المحدود المقدَّم لها من التحالف العربي على جميع المستويات، وحتى يتم إنقاذ اليمن من براثن المشروع الطائفي الإيراني.
تراكم الأخطاء والبنى المؤسسية غير الفاعلة في لحظات الحرب والفوضى تدفع للاضطرابات وتصبح ساحة للأخطاء في القرارات، مثلما فعل المجلس الانتقالي بدخول عدن بالقوة المسلحة والمطالبة بالثأر والاستقلال، ويُحسَب له أنه استجاب سريعاً لقرارات التحالف العربي والموقف الموحد السعودي الإماراتي، وشرع في الانسحاب وتصحيح أخطائه، ثم إنه استجاب ثانية لدعوة الحوار التي أطلقتها السعودية بتوجيهات القيادة ورعاية نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وتأكيداته المتكررة أنه مع التحالف وضد ميليشيا الحوثي على طول الخط.
المواقف الرسمية للدول تؤخذ من مصادرها المعتمدة، ولا يعبر عنها رأي كاتبٍ أو حماس مغردٍ، والمواقف الرسمية السعودية الإماراتية تجاه أحداث عدن واضحة ومتفقة، وثمة ترتيبات تدور هذه الأيام، وهي مساحة للرأي الصادق والنقاش الجادّ في تشكيل الوعي والتأثير في الرأي العام، وقد جرت أحداث قريبة من قبل تشبه من وجه ما يحدث اليوم، في الموقف من جماعة «الإخوان» والموقف من الربيع العربي، حتى تجلت الحقائق واتضحت السياسات فغيّر كثيرون مواقفهم وطووا صفحة وفتحوا أخرى، وكأن شيئاً لم يكن.
المشكلة التي تواجه كثيراً من الصحافيين أو الكتاب فضلاً عن مشاهير مواقع التواصل في مثل هذه اللحظات الصعبة والمشكلات المعقدة هي عدم القدرة على تشكيل رأي مستقل يعتمد على القدرة على التحليل، واستخدام الوعي، بل يعتمد كثيرون منهم على مَن يثقون به أو بعلاقاته صدقاً أم توهماً ليشكلوا موقفهم، ولكن بعضهم يستطيع إعادة التفكير بمجرد أن يجد رأياً مختلفاً، مبرهناً ومقنعاً، ليعيدوا التموضع ومحاولة إيجاد تحليلات مختلفة، ولكنها مستقلة هذه المرة.
التحالف السعودي الإماراتي المظفر هو الذي غيّر مصير المنطقة بأكملها في السنوات العشر الأخيرة، وتحديداً في الخمس الأخيرة، حين وصل إلى ذروته وقوة تأثيره، فتحول المشهد في العديد من الدول العربية، التي كانت تمثل حالة سماها كاتب هذه السطور «استقرار الفوضى» إلى استعادة حالة استقرار الدولة، في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين، وما يجري في العراق والسودان اليوم هو امتداد لنجاحات هذا التحالف، هذه حقيقة يجب ألا ينكرها أحد.
خصوم هذا التحالف الاستراتيجيون في المنطقة في إيران وتركيا ومعهما قطر وجماعة «الإخوان» يخسرون إقليمياً ودولياً، وهذا نتيجة عملٍ محكم واستراتيجياتٍ ناجحة، فلا ينبغي أن يغشي عيون البعض حماسة مؤقتة وحدث آني، حتى لو وصل إلى خلافٍ في بعض التفاصيل، فالتحالفات المظفرة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر كانت تنجح بالتركيز على المشتركات والمصالح الكبرى، لا على النزاعات في التفاصيل.
لم تكلّ المحاور المعادية للسعودية والإمارات في محاولة دق إسفين الخلافات بين الحليفين الأقوى في المنطقة، من إيران وتركيا إلى قطر وجماعة «الإخوان»، والانسياق خلف هذه الدعايات المعادية انسياق خطير، وإن لبس لبوس الوطنية المخلصة، والعاقل لا يجدع أنفه نكاية بخصمه.
أخيراً، دائماً ما تواجَه محاولات الفهم والتحليل والوعي باتهاماتٍ عاطفية تشويهية، ولكن هذا أمر طبيعي جرى ويجري في الماضي والحاضر، والرهان دائماً على الوعي والنتائج.