بقلم : جبريل العبيدي
أطفال الشمال السوري وحتى الجنوب التركي الذين هم أحسن حالاً نسبياً، أصبحوا جميعهم بين مطرقة الزلزال وسندان الثلوج، فالبرد وتأخر المساعدات وبطء حركة فرق الإنقاذ جعلت أغلب الضحايا أطفالاً، خصوصاً في الشمال السوري المنكوب بالحروب والزلازل، بل إنه حتى الجنوب التركي (الذي من المفترض أنه مستقر وأحسن حالاً من الشمال السوري) اشتكت فيه بعض المناطق ذات الإدارة المحلية لحزب العدالة والتنمية من تأخر وبطء في عمليات الإنقاذ والإجلاء، رغم أن مناطق الزلزال في الجنوب التركي بالذات هي مناطق زلزالية، وكانت هناك تنبؤات بحدوث الهزات الأرضية فيها، ما عُدّ في نظر البعض تقاعساً وعدم جاهزية لدى السلطات المحلية والمحسوبة على حزب العدالة والتنمية، الذي انشغل بالدعاية لنفسه عن عمليات الإنقاذ الحقيقية، ما تسبب في انتقاد وسخط واسع على الحزب وقياداته من هذا السلوك في وقت أزمة تتطلب تكاتف الجميع .
من صفحات معاناة أطفال الزلزال، وفي بلدة جنديرس في الشمال السوري تحديداً، وُلدت طفلة تحت أنقاض البنايات المنهارة إثر الزلزال، بعد أن بقيت لمدة مرتبطة بحبل سري مع والدتها التي قتلها ركام المباني المنهارة، طفلة فقدت الأبوين، وأبصرت النور من تحت الركام، بعد مقتل جميع أهلها، ما يشكل صدمة نفسية لأي طفولة سليمة.
بينما بقية الأطفال من لم تقتله الأحجار المنهارة، قتلته الثلوج ببردها الشديد، ومن لم يقتله الزلزال ولا البرد قتله الجوع، فكم من رضيع وُلد وفقد أمه ولم يجد ضرعاً ولا حتى علبة حليب تطفئ جوعه، مآسٍ كثيرة لأطفال الزلزال نقلتها كاميرات المصورين، بين طفل غارق في دمه، وآخر مبتسم لمنقذيه وهو لا يزال عالقاً بين الركام، وصولاً إلى طفلتين تحتضن أكبرهما أصغرهما بين يديها لتحميها من حجارة تثقل جسديهما، مشاهد أبكت العالم سواء الذي همّ للمساعدة أو حتى الآخر المتفرج.
وعن معاناة أطفال الزلزال صرحت منظمة اليونيسيف بالقول: «العديد من أطفال سوريا أصيبوا بصدمة نفسية جراء الزلزال»، وهذا التشخيص ليس بحاجة لأن تقوله اليونيسيف؛ فهذا تشخيص بديهي لا يخطئ فيه طبيب متدرب لوصف مثل هذه الحالات، فهول الكارثة والمأساة والفقدان كبير بحجم الجنون وفقدان العقل، وليس فقط صدمة نفسية لأطفال وُلد معظمهم من رحم المعاناة التي تنقلت بهم بين الحرب والنزوح والتهجير والفقر والجوع والمرض والموت وفقدان الأحبة، إلى الزلازل وفقدان المأوى الأخير، في ظل تكدس للمعونات في تركيا التي انهالت عليها المساعدات من كل صوب وحدب، بينما الشمال السوري يعاني، رغم أن سوريا شريك لتركيا في محنة الزلزال مع فارق كبير في الإمكانات، التي شحت وانعدمت في الشمال السوري المنكوب، فقرابة سبعة ملايين سوري في شمال سوريا يعيشون لحظات الرعب والحرمان بعد هزات أرضية صحبتها أخرى ارتدادية.
هزات أرضية ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا بشكل خاص، مصحوبة بهزات ارتدادية، أو ما يسمى توابع الزلزال التي تجاوزت 300 تابع لاحقت الناجين، بينما بلغت قوة أول الزلازل 7.8 درجة وتلاها آخر بقوة 7.6 درجة على مقياس ريختر، لم تصمد أمامها حجارة قلعة غازي عنتاب الصلبة التي سبق أن صمدت أمام الزلازل والحروب لأكثر من ألفي عام.
وقد اختُلف على تسمية توابع الزلزال هل هي توابع أم زلازل متكررة لكون شدتها قد فاقت الزلزال نفسه، لكن لكونها قد حدثت في نفس الصدع الزلزالي فقد سميت توابع رغم شدتها، والزلزال الذي هز تركيا وسوريا يعد الأشد والأقوى منذ مائة عام، وتوابعه تعد غير مسبوقة العدد وفق علم الجيوفيزياء، ورغم كثرة عدد القتلى، ورغم درجة شدته فإن زلازل سابقة كان تأثيرها أشد من حيث عدد الضحايا، وكان عدد القتلى بالآلاف وفي ازدياد، في ظل ظروف مناخية صعبة، ما عقّد الأمر على فرق الإنقاذ. ومن المشاهد المؤثرة مشهد بتر رجل طفلة لمجرد وجود صعوبة في إخراج رجلها من تحت الصخور، مآسٍ كبيرة وقصص مؤلمة حملها الزلزال، وقد وصف أحد الأطباء المنقذين الأوضاع المأساوية في المشافي المكتظة بالقول: «معظم الأطفال ينزفون ويموتون من البرد».