بقلم - بكر عويضة
إذنْ، قُضي الأمر، وكلف إسحق هرتسوغ، الرئيس الإسرائيلي، رسمياً، بنيامين نتنياهو تشكيل حكومة تل أبيب الجديدة. هذه ستكون سادس حكومات نتنياهو منذ أول حكومة ترأسها عام 1996، لكنها، باتفاق أغلب الآراء من مختلف التوجهات والمشارب السياسية، في إسرائيل وخارجها، ستكون أكثر الحكومات يمينيةً، وأشدها في تطرف قراراتها، وفي تنفيذ سياساتها، خصوصاً عندما تتعلق بالتعامل مع الطرف الفلسطيني. إزاء هكذا مشهد، لعل من الجائز، وربما من الضروري، التساؤل: كيف سيجري التعامل الفلسطيني مع الموقف الناشئ عن عودة الموصوف بـ«ملك إسرائيل»، تعبيراً عن شدة الإعجاب به، سواء في مهرجانات «الليكود»، حزب نتنياهو، أو في صفوف اليمين الصهيوني المتطرف، حتى لو بدا ذلك الوصف تهريجاً لغيرهم، وهو كذلك فعلاً؟
بالطبع، التساؤل مطروح على الطرف الفلسطيني الجالس في مواقع اتخاذ القرارات. وبالطبع، أيضاً، هذا الطرف ليس واحداً، بل هو جمعٌ من أطراف عدة تجمعها قواسم مشتركة يُفترض أنها أساسية، وأن لها وضع، أو صفة، «المُقدّس»، في قلوب ونفوس عموم الفلسطينيين، فيما تشتت شمل قيادات تلك الأطراف مفاهيم وتحالفات متباينة، فضلاً على آيديولوجيات متصارعة، ثم، وهو الأسوأ، التنازع على مواقع سلطوية فوق جزء من أرض فلسطين لم يحصل على استقلال تام بعدُ. تُرى، هل بوسع هذه القيادات، مع كامل الاحترام لأشخاصها ولاجتهاداتهم، أن تضع جانباً كل ما يباعد بينها بقصد تحقيق غرض واحد، هو أن تتفق على وضع خريطة طريق تضع مصلحة شعبها الفلسطيني قبل مصالحها الفصائلية، هدفها المحدد أن تجيد التعامل مع أشد حكومات إسرائيل تطرفاً، كما تراها الدوائر الإسرائيلية ذاتها، إضافة إلى عواصم القرار العالمي كلها، تقريباً؟
سأجازف فأجيب - نيابة عن السادة أعضاء اللجان المركزية، والمكاتب السياسية، للتنظيمات الفلسطينية - نعم؛ صحيح أن الأمر صعب، لكنه ممكن، وليس بالمستحيل، بيد أن الوصول إلى خريطة طريق كهذه سوف يستدعي بذل الكثير من الجهد، ولن يتحقق بين يوم وليلة. تلك إجابة أجتهد في تصورها من عندي، ولعلها تعبر عما صار يُسمى «تفكيراً رغبوياً»، تعريباً للمصطلح الإنجليزي «Wishful Thinking». إنما، لِمَ لا؟ حقاً ما الذي يمنع أن ينام الفلسطيني، بل العربي عموماً، ويصحو، على أمل إتمام تصالح الفصائل الفلسطينية تصالحاً بلا تراجع عنه، أياً كانت العوائق والظروف والصعاب؟ لا شيء، سوى أن تصفو النيات حقاً، وإذ ذاك، يمكن تحقيق ذلك خلال ساعات ما بين يوم وليلة، فعلاً. ثم، هل ثمة موجب لإتمام هذا التصالح أهمّ من مجيء نتنياهو على رأس حكومة تضم متطرفين غير آبهين لانعكاسات، بل وخطورة، إظهار قبح حقدهم على العرب أجمعين، مثل المنضوين تحت تحالف «الصهيونية الدينية»، من قماشة إيتمار بن غفير، المُجاهر بمطالبته بضم إسرائيلي كامل للضفة الغربية، والطامح لتولي وزارة الأمن العام، فضلاً على بتسلئيل سموطريتش الذي يطالب علنا بوزارة الدفاع؟ كلا، ليس ثمة ما هو أكثر وجوباً لأن تسارع قيادات كل من حركة «فتح»، وحركة «حماس»، إلى تنحية كل الخلافات جانباً بغية التوصل لخريطة الطريق المبتغاة، ثم وضع مختلف الفصائل الفلسطينية أمام مسؤولية الالتزام بالخريطة ذاتها، درءاً لأي محاولات تنصل قد تمليها ولاءات خارجية.
في السياق ذاته، لن تفوت المُلاحِظ المتابع من كثب للوضع الإسرائيلي، أن ساحة إسرائيل السياسية تموج هي أيضاً بخلافات في العمق بين الأحزاب الإسرائيلية، وأن نتائج الانتخابات الأخيرة، التي هيأت عودة نتنياهو للحكم، زادت حدة تلك الخلافات سعيراً. صحيح، هذا من حُسن حظ الطرف الفلسطيني، إذا أحسن إدارة وضع المنهج المتناسب مع الظرف الجديد، من جهة، ثم بادر في الآن نفسه إلى إصلاح الأوضاع الفلسطينية ذاتها. حقاً، عندما يرى حزب يائير لبيد، «هناك مستقبل»، أن عودة نتنياهو للحكم هي «يوم أسود للديمقراطية الإسرائيلية»، فإن هكذا الموقف قد يتجاوز مجرد الحنق إزاء خسارة الانتخابات والخروج من رئاسة الوزراء، إنه تعبير عن تجذر تباين الرؤى بين تلك الأحزاب، ومن ثم ما الذي يحول بين القيادات الفلسطينية وبين فتح الآفاق أمام ديمقراطية تتيح لكل فلسطيني المجال للتعبير عن الرأي والموقف بلا خوف من أي عواقب؟ من جديد؛ لا شيء يحول دون ذلك، سوى الاقتناع الجاد بأن فجر أوان نهج فلسطيني مختلف قد آن فعلاً.