مما لا شك فيه أن أول ملك مصرى قديم معروف لدى العامة هو توت عنخ أمون؛ وذلك على الرغم من أنه مات ولم يتعدَّ عمره التاسعة عشرة سنة، ولم يترك سوى عدد قليل من الآثار.. ولكن ما حدث وكان سببًا فى شهرته العريضة التى فاقت شهرة كل الملوك والأباطرة العظام من العالم القديم هو أن كَشْف مقبرته سليمة لم تُمس فى الرابع من نوفمبر عام ١٩٢٢م جعل اسم توت عنخ أمون يتردد على كل لسان فى العالم، الذى وقع أسير سحر وجمال كنوز الملك التى لا مثيل لها على الأرض.أما ثانى أشهر الأسماء، فهو بالطبع الملك رمسيس الثانى، ملك كل ملوك العالم القديم وسيد فراعنة مصر. تربع على عرش مصر لحوالى ٦٦ سنة، جعل مصر خلالها أكبر قوة على الأرض. وقد ترك رمسيس الثانى آثارًا فى كل مكان داخل مصر وخارجها، وأنا شخصيًا كان لى معه ثلاثة اكتشافات مهمة.
الكشف الأول، عندما كنا نعمل فى الجهة الجنوبية لهرم الملك منكاورع بالجيزة، وكشفت عن تمثال مزدوج للملك رمسيس الثانى والإله رع حور آختى. وهو تمثال غير كامل النحت نظرًا لحدوث شرخ بالحجر الجرانيتى الوردى للتمثال، الأمر الذى أرغم النحات الملكى على عدم استكماله وتركه فى الموضع الذى تم اكتشافه به. ويصل ارتفاع هذا التمثال الفريد إلى ما يقرب من المترين.
أما الكشف الثانى، فقد كان بمدينة أخميم بمحافظة سوهاج، وكانت قديمًا هى المدينة الرئيسية لإله الخصوبة «مين»، وبها شيدت معابده ومعابد أخرى ضخمة وصفها الرحالة العرب الأوائل بالعظمة والفخامة، وقيل إنها تحتاج إلى يوم كامل من طلوع الشمس حتى مغيبها لكى يتمكن الزائر من التنقل بينها!.. ولكن ما حدث فى العصر الحديث هو أن الناس قامت بالبناء فوق أنقاض المدينة القديمة التى اندثرت شيئًا فشيئًا أسفل المدينة الحديثة. وقد حدث أن مجلس مدينة أخميم بدأ فى بناء مكتب للبريد فكان أن تم الكشف عن أجزاء من تمثال ضخم وجميل للملكة ميريت أمون ابنة رمسيس الثانى، والذى منحها لقب الزوجة الملكية فقط تشريفا لها ولمكانتها. وقد استطاع الفنان العبقرى الدكتور محمود مبروك وفريق الترميم المعاون له إعادة ترميم التمثال وإعادته كتلة واحدة، وهو حاليًا أحد أجمل تماثيل النساء من العالم القديم كله.
وإلى جوار تمثال ميريت أمون تم العثور على العديد من التماثيل والقطع الأثرية التى تخص الملك رمسيس الثانى، وجدت أيضًا مدفونة إلى جوار تمثال ابنته، واستطاع فريق الترميم المصرى إعادة تماثيل الملك ونصبها إلى جوار تمثال ابنته الملكة ميريت أمون فى المتحف المفتوح بأخميم.
وفى حادثة لا أنساها، قام بعض الأهالى ببناء مقابر حديثة لهم فوق المنطقة الأثرية، وحدث أثناء دفن أحد المتوفين من أهالى المدينة أن أبلغ البعض عن وجود آثار داخل المقبرة. وبالفعل، تم العثور على رأس ضخم من الجرانيت الوردى للملك رمسيس الثانى، وكان علىَّ بصفتى رئيس الآثار فى ذلك الوقت أن آتى من القاهرة إلى أخميم لكى أدخل مقبرة استعملت للتو فى الدفن، لأجد بداخلها ذلك الرأس الضخم لرمسيس الثانى.. بعدها قمت بعمل حفائر موسعة بالمنطقة كشفت عن العديد من آثار رمسيس الثانى، منها قاعدة ضخمة لأحد تماثيله.
ولقد اهتمت الدولة بمنطقة أخميم، وقام المجلس الأعلى للآثار بدفع ما يقرب من خمسين مليون جنيه من أجل بناء جبانة جديدة للأهالى فى منطقة بعيدة عن المنطقة الأثرية. وبالفعل، انتهى بناء الجبانة الجديدة وكنا على وشك نقل الجبانة القديمة لولا وقوع فوضى يناير ٢٠١١، ولابد من التنويه بأن نقل الجبانة القديمة وتسلم الأرض الأثرية سيحافظ على كنوز أخميم الأثرية التى لا تقدر بثمن.
أما الكشف الثالث، فقد حدث فى منطقة المطرية المزدحمة بالسكان، وكانت محافظة القاهرة قد قررت القضاء على عشوائيات ما يعرف بـ«سوق الخميس» ونقل الباعة والتجار إلى محال يتم بناؤها لهم فى منطقة خالية من العمران، وبمجرد بدء أعمال الحفر تم الكشف عن آثار فرعونية، وبمجرد معاينتها من قبل الأثريين المسؤولين بالمنطقة والذين قاموا برفع تقريرهم إلىَّ قررت عمل حفائر موسعة فى الموقع، وقد تم الكشف عن بقايا ثلاثة معابد ضخمة: المعبد الأول يخص الملك تحتمس الثالث، والمعبد الثانى بناه الملك إخناتون للإله أتون، وأخيرًا المعبد الثالث للملك رمسيس الثانى وبناه تبجيلًا لإله الشمس رع، رب مدينة إيون أو «عين شمس الحالية». وقد تم العثور داخل المعبد على العديد من التماثيل الضخمة لرمسيس الثانى.
إننى هنا أتحدث فقط عن تلك الآثار التى قمت بالكشف عنها حينما كنت مسؤولًا عن الآثار، ولكن لو حاولنا أن نحصى آثار رمسيس الثانى، فإننا سنكون بحاجة إلى مجلدات، فكما سبق وقلت، إنه تم الكشف عن آثار تخصه، ليس فى مصر فقط ولكن فى كل من سوريا وفلسطين ولبنان ومناطق أخرى.. ولكن من أهم آثار رمسيس الثانى معابده العظيمة فى النوبة، خاصة معبدى أبوسمبل ومعبد جرف حسين ومعبد عمده ومعبد السبوع.
ولقد عملت كمفتش آثار بمنطقة أبوسمبل فى بداية حياتى العملية، وذلك لمدة ثلاثة شهور فقط من ديسمبر ١٩٧٣ حتى فبراير ١٩٧٤، حضرت خلالها تعامد الشمس فى ٢٢ فبراير ١٩٧٤، وكان هناك آلاف من السائحين حضروا خصيصًا لمشاهدة تلك المعجزة الفلكية التى تعطينا صورة لمدى تقدم فنون العمارة وعلوم الفلك فى عصر الملك رمسيس الثانى.. عشت فى مدينة أبوسمبل قبل أن تصبح تابعة لمحافظة أسوان، وكانت المدينة تتبع مصلحة الآثار فى ذلك الوقت، وكانت تلك الفترة القصيرة التى عشتها هناك من أهم مراحل حياتى كأثرى.
وفى الأقصر، تجد تماثيل رمسيس الثانى ومسلته تزين مدخل معبد الأقصر، ثم صالة الأعمدة المفتوحة التى أضافها رمسيس الثانى للمعبد. ويجب ألا ننسى أن توأم مسلة الملك الموجودة حاليًا تزين ميدان الكونكورد بباريس. وسأكون أسعد شخص على الأرض إذا ما تحرك الرئيس الفرنسى ماكرون بالفعل وأعاد آلاف القطع الأثرية إلى بلادها بإفريقيا، والتى انتزعت من موطنها خلال الحقبة الاستعمارية، كما صرح هو بنفسه. وأتمنى أن تعيد فرنسا المسلة إلى موضعها أمام معبد الأقصر إلى جوار توأمها، وستكون تلك أعظم هدية تقوم بها فرنسا للتراث الإنسانى العالمى.
وفى معبد الكرنك، صال وجال الملك رمسيس الثانى هو وأبوه الملك سيتى الأول، ويصبح بهو الأعمدة الكبرى إحدى كبرى معجزات الحضارة الفرعونية. وبالانتقال إلى الضفة الغربية للأقصر، نجد معبد الرامسيوم، الذى هو بحق أجمل المعابد الجنائزية التى أقيمت لملك فى مصر الفرعونية.
وسَنُفرد مقالا للحديث عن مقبرة رمسيس الثانى بوادى الملوك، نظرًا للجدل الكبير الذى يدور حولها.
ولعل من أجمل آثار رمسيس تلك المقبرة الجميلة التى أقامها لزوجته الملكة نفرتارى بوادى الملكات. ولا تزال المقبرة محتفظة بجمال نقوشها وألوانها كما لو كانت قد صنعت من وقت قريب وليس من أكثر من ثلاثة آلاف سنة!.
ونجد آثار رمسيس الثانى حتى داخل معبد أبيه سيتى فى أبيدوس، وهو واحد من أجمل المعابد فى مصر، وقد قام رمسيس بالإشراف على بناء هذا المعبد والانتهاء منه بعد وفاة أبيه. ومن أجمل نقوش المعبد منظر كبير يصوّر الملك سيتى وأمامه ابنه الأمير رمسيس يقدمان القرابين ويحرقان البخور ترحمًا على أسماء ملوك مصر من أول عصر توحيد الشمال والجنوب على يد الملك مينا وحتى عصر الملك سيتى الأول.
والمنظر معروف بقائمة أبيدوس للملوك، وهى سجل مهم لملوك مصر القديمة، وإن خلت القائمة من أسماء حتشبسوت وإخناتون وتوت عنخ أمون وأى، لأسباب سياسية ودينية.
خرج معرض آثار رمسيس الثانى فى عام ١٩٨٥ ليطوف العديد من المدن فى أمريكا وكندا وفرنسا، وقد رافقت هذا المعرض فى عام ١٩٨٨ فى مدينة دالاس الأمريكية. وكان المعرض يضم العديد من القطع الأثرية الفريدة. وقد زاره فى دالاس فقط مليون ومائتا ألف زائر. والآن يطوف معرض آخر للملك رمسيس بمدن أمريكية. وعلى الرغم من أن الآثار فى هذا المعرض ليست فى وزن وأهمية المعرض الأول، إلا أن تصميم المعرض الحالى واستعمال تكنولوجيا العرض المتحفى الحديث يجعل هذا المعرض مبهرًا للزائرين، وتظهر كل قطعة أثرية كبيرة أو صغيرة بطريقة عرض مبهرة، من حيث فاترينة العرض المزودة بالتكنولوجيا الحديثة ووسائل الإضاءة الداخلية والخارجية ووسائل الشرح بوسائط متعددة.
حكاية هذا المعرض تجدونها فى المقال التالى بإذن الله