بقلم - زاهي حواس
هذا هو عنوان الفيلم الذى أنتجته هوليوود، ويعتبر من أهم أفلام السينما العالمية وقد كتبت هذا الفيلم الكاتبة الإيطالية فرانسيز مايس، والتى عاشت فى توسكانى داخل مدينة صغيرة، لكنها هامة جدا وهى مدينة كورتونة التى يعشقها الأمريكيون، وذلك بسبب الفيلم الذى عرض بالعالم كله، وكذلك من خلال العديد من الكتب التى ألفتها فرانسيز، ولذلك يتهافت الأمريكيون على شراء منازل بجوار كورتونة ولهذا تجد المدينة مليئة بالسائحين الأمريكان ويزورها حوالى نصف مليون أمريكى كل عام، ليشاهدوا الكنائس الصغيرة والمتحف الذى يوجد به قاعتان لعرض الآثار المصرية الموجودة بالمتحف منذ القرن الماضى.
ولعل شهرة مدينة كورتونة تدعونا إلى التفكير جديًا فى ضرورة أن نتخلص من القيود الموضوعة على تصوير الأفلام فى مصر سواء الأفلام التسجيلية أو الدرامية. وهناك عشرات القنوات العالمية التى ترغب فى إنتاج أفلام عن مصر وهذه النوعية من الأفلام تقوم بإنتاجها شركات عالمية مثل الـ ناشيونال جيوغرافيك وكذلك الديسكفرى ومنصة نتفليكس. وتقوم هيئة الاستعلامات بعمل كل الإجراءات القانونية للتصوير ويستغرق ذلك حوالى ثلاثة شهور وربما أكثر. ولكن نود أن تصدر الموافقات بسرعة أكثر من ذلك لمصلحة مصر لأن هذه القنوات والمنصات لا تهتم سوى بالآثار الفرعونية. وقد شاهدنا كيف تم تصوير فيلم تسجيلى عن سيدنا موسى بالسعودية وذلك لسهولة إصدار التصاريح. بل وتقوم وزارة الثقافة السعودية والتى يرأسها الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آلـ سعود بتمويل هذه الأفلام. وقد شاهد العالم كله الفيلم الأخير عن الهرم المفقود والذى عرض على منصة نتفلكس فى يوليو العام الماضى وشاهده الملايين فى كل مكان وتم ترجمته إلى حوالى ٩٩ لغة بل وقيل أن عدد من شاهدوا هذا الفيلم حتى الآن يقدر بأكثر من مشاهدى آخر أفلام إنديانا جونز الشهيرة.
وقد شاهدنا هوليوود والتى أنتجت فيلما روائيا عن سفارى كينيا وقد كان لهذا الفيلم دور كبير فى أن تصبح السفارى هناك من أشهر الأماكن السياحية وعندما وجد الملك عبد الله ملك الأردن أن آثار الأردن لا يعرفها العالم مثلما يعرف الآثار الفرعونية! قال الملك لرئيس قناة ديسكفرى وهو الذى نقل كلام: «ليس عندنا زاهى حواس عشان يعمل لآثارنا دعاية مثلما يفعل للآثار الفرعونية». ولذلك قرر الملك أن يقوم بنفسه بالدعاية لآثار الأردن، وقام بعمل فيلم تسجيلى رائع مع قناة ديسكفرى يعرف باسم الجولة الملكية وركب الملك الموتوسيكل وزار آثار بترا. وقد كان لهذا الفيلم التسجيلى أثر كبير فى أن يقوم السائح الذى يزور مصر بالذهاب إلى الأردن فى آخر رحلته.
ما أود أقوله هو إن هناك ضرورة لأن نبسط إجراءات التصوير فى مصر، وأن يكون هناك جهة واحده فقط هى التى تقوم بإصدار كل التصاريح بدلا من أن يقوم صناع الفيلم أو البرنامج باللف (كعب داير) على العديد من الجهات لأخذ الموافقات. لقد سعدت جدا عندما قال لى صديقى المخرج الأمريكى الشهير ليسلى جريف أنه سوف يقوم بتصوير فيلم روائى عن صدام حسين فى مصر وهنا سوف أقص عليكم حكاية حدثت عام ١٩٩٥ وذلك عندما كنت أقوم بالتدريس بجامعة لوس أنجلوس وجاءت لمقابلتى المنتجة الأمريكية جولى كورمان زوجة المخرج الشهير روجر كورمن حيث قررت أن تنتج فيلما للصغار باسم غزاة المقبرة المفقودة. وقالت إنها تود أن تصور هذا الفيلم فى مصر، لكنها تخشى أن هذا مستحيل؟ فسألتها عن السبب؟! فقالت لى إن المخرج العالمى ستيف سبلبرغ قال لها لا تذهبى إلى مصر، لأنهم هناك يتفننون فى منع تصوير الأفلام! وأخبرها عن تجربته المريرة فى مصر! وقلت لها فى كل مكان هناك الشخص الغير أمين والشخص الأمين وبلا شك أن ستيف قد قابل الشخص غير الأمين. وقد قدمتها إلى الراحل المصرى العظيم حسام على والذى صور لها الفيلم فى مصر وتكلف حوالى ربع مليون دولار، وكان بطل هذا الفيلم استيكى كاتش وقد طلبت منى جولى أن أقوم بدور فى الفيلم لذلك جاء فى المقدمة زاهى حواس كعالم آثار، وطلبت أن يقوم مصرى بدور رئيس مصلحة الآثار على أن يتكلم الإنجليزية بطلاقة ورشحت لها الممثل الكوميدى يوسف داود وطلب سائق عربة وهو من الشخصيات الهامة فى الفيلم رشحت لها خالد الصاوى ولم يكن مشهورا فى ذلك الوقت ونجح الفيلم نجاح كبير وتبرعت جولى بجهاز كمبيوتر لمنطقة الهرم وكان أول جهاز كمبيوتر تعرفه هيئة الآثار فى ذلك الوقت.
أعود إلى مدينة كورتونة هذه المدينة عزيزة لدى حيث تم اختيارى منذ حوالى ثمانى سنوات كشخصية العام، وقامت عمدة المدينة بإقامة مهرجان ضخم بالتعاون مع وزارة السياحة المصرية وتم دعوة العديد من الصحفيين والشخصيات السياحية لحضور هذا المهرجان، وقد تقابلت مع الكاتب أتالو وزوجته تسيانا واتفقوا معى على أن ألقى سلسلة محاضرات سنوية فى مقاطعة توسكانى على ألا أتقاضى أجرا عن المحاضرة بل يتم استضافتى لمدة أسبوع مع دفع كل التكاليف الخاصة بى وفى المقابل ألقى المحاضرة لهم وهذا هو العام الثامن لى ومن الغريب أنهم لا يتحدثون كلمة واحدة بالإنجليزية، ولذلك فهناك دائمًا مترجم من الإنجليزية إلى الإيطالية. وأقابلهم فى اليوم الأول لحضورى وبعد ذلك أقيم داخل فندق على جزيرة فى وسط البحر وهذا الأسبوع هو إجازتى السنوية. والعام الماضى كنت فى مدينة بروجيا وتمت إقامة المحاضرة داخل مسرح رائع مكشوف وقد حضر أكثر من ألف شخص للمحاضرة وذلك بالمجان لأن الفنادق والمطاعم تقوم بدفع كل تكاليف المحاضرة. وقد وصلت هذا العام قادما من مدينة كولون بعد افتتاح معرض الملك رمسيس الثانى. وبعد أن تم استقبالى فى المطار، ذهبت مباشرة إلى مدينة كورتونة. وفى نفس اليوم أقاموا حفل عشاء تكريمًا لى، وقد سعدت عندما وجدت فى المطعم الملحق بالفندق الذى أقيم فيه شخص يقدم الوجبات ويتحدث الإنجليزية بطلاقة ولذلك فقد سهل لى الإقامة والترجمة. وفى اليوم التالى وجدت مكتب عمدة المدينة يتصل يطلب مقابلتى، وفعلا ذهبت إلى مكتبه فى مجلس المدينة وعرفت أن العمدة قد انتخب للمرة الثانية وأن مدة المرة الأولى كانت خمس سنوات وعرفت منه أنه صديق الكاتبة الأمريكية فرنسيس مايس وهى التى كتبت الرواية الشهيرة بعنوان تحت شمس توسكانى، ومواطنى كورتونة يدينون لها بالشكر والامتنان، لأنها قدمت هذه المدينة الصغيرة التى لا يزيد عدد سكانها عن ٢٠٠٠٠ مواطن لكى تكون المدينة السياحية الأولى فى إيطاليا. يحضر إليها الزوار وهم يعرفون المطاعم والأماكن التى سوف يرتادونها لأن فرنسيس قدمت لهم كل المعلومات ولذلك تدافع الأمريكيون لشراء المنازل والشقق يأتون للإقامة بها لمدة شهور الصيف.
وقد قابلت الكاتبة الشهيرة وذلك بناء على رغبة العمدة وهى سيدة لطيفة جدا وقصت على قصة عشقها لهذه المدينة وأنها أصبحت إيطالية لأنها تعيش أغلب شهور السنة فى هذه المدينة وأن الذى غير حياتها بعد الطلاق هو أن تبعد عن أمريكا ولذلك عشقت إيطاليا، وقدمت كورتونة إلى العالم كله من خلال الأفلام والكتب. وقد مكثت ساعة معى تتحدث عن آثار مصر وقد قالت لى إنها شاهدت العديد من الأفلام التسجيلية التى صورت معى وخاصة ذلك العمل باسم مطاردة المومياوات وهو عبارة عن ١١ حلقة وهو عبارة عن مغامرات فى عالم الفراعنة يقدم معلومة علمية، وقد تم عرضه فى كل مكان وقدم دعاية للفراعنة ولمصر لا تقدر بثمن. بعد ذلك قمت بعقد مؤتمر صحفى فى المدينة التى سوف تتم بها المحاضرة وهى مدينة أورفيتو وتبعد حوالى ساعة تقريبا بالعربة عن كورتونة وعقد المؤتمر فى مقر عمدة المدينة وحضره العديد من الصحفيين وكان اهتمام الصحافة الأول عن موعد افتتاح المتحف المصرى الكبير لأن الشعب الإيطالى ينتظر الحفلة التى سوف يتم فيها افتتاح هذا المتحف. وقلت إن هذا المتحف هو أهم مشروع ثقافى فى القرن الواحد والعشرون. وسألونى عن الملكة كليوباترا ومارك أنطونى وهل تم الكشف عن مقبرتها أم لا؟ وقلت سوف أتحدث بعد يومين عن كيلوباترا! وسألنى صحفى آخر هل كيلوباترا كانت سوداء؟ وقلت إنها كانت مقدونية وليست سمراء. وأخيرا سألونى عن متحف تورينو؟ وقالوا إن الصحف الإيطالية نشرت أن الحكومة الإيطالية ترغب فى أن يتم تعيينى رئيسا للمتحف؟ وقلت لهم إننى لم أبلغ بأى معلومة عن هذا الموضوع حتى الآن! وجاء يوم المحاضرة حيث أقيمت داخل قاعة مكيفة جميلة بمدينة أورفيتو وحضرها أكثر من ألف شخص ولأول مرة سمح العمدة بخرق القانون الذى لا يجيز لأحد أن يقف فى القاعة ولذلك أكثر من نصف الحاضرين كانوا واقفين! وحدثتهم عن الاكتشافات الأثرية التى أقوم بها وكانت أهم رسالة لى هو أن أدعوهم لزيارة مصر وأن أعلن أمامهم أن مصر أمان وأن الإيطالى عندما يسير فى شوارع القاهرة والأقصر وأسوان سوف يحس أنه يعيش بين أهله وهذه هى قصة رحلة جميلة فى حب مصر.