كان أول المُدّعين بأن لـ«أبوالهول» توأمًا إيطاليًّا!، وبعدها تبناها مُدَّعٍ آخر مصرى، وأخيرًا أحد المنتسبين إلى مجال الآثار. وقد كتبت في هذا الموضوع كثيرًا، لكن لا تزال تأتينى الرسائل من المهتمين بالحضارة المصرية القديمة تسألنى عن حقيقة موضوع توأم «أبوالهول». وكاد موضوع وجود «أبوالهول» آخر ينتهى لولا أن خرج علينا الأثرى المشار إليه عاليه بخرافة أن هناك تمثالًا آخر لـ«أبوالهول» في الجيزة، وقد اختار له موقعًا جديدًا غير الذي اختاره المُدّعيان الأول والثانى!.
كانت البداية بالزعم أن هناك تمثالًا توأمًا لـ«أبوالهول» جنوب الطريق الصاعد لهرم خفرع موازيًا ومساويًا في الحجم لـ«أبوالهول» الحالى. واستشهد المؤيدون لهذه الخرافة بلوحة الإحصاء، التي عُثر عليها داخل معبدهرم الملكة حنوتسن إلى الشرق من هرم زوجها الملك خوفو، واللوحة موجودة حاليًا في المتحف المصرى. وقد زعم أصحاب هذا الرأى أن التمثال التوأم قد دُمر تمامًا بواسطة صاعقة ضربت منطقة آثار الهرم قديمًا. وتعتمد هذه الخرافة على مبدأ فنى معروف في الفن المصرى القديم، الذي يُعرف بالسيمترية، أي التماثلية والتوازن، بمعنى أن المصرى القديم لم يكن أبدًا ليُقيم مسلة واحدة على جانب المدخل سواء مقبرة أو معبدًا، ولكن كان يصر على وجود واحدة على اليمين وأخرى على اليسار، ونفس الوضع بالنسبة للتماثيل، فلم يكن مقبولًا وضع تمثال واحد فقط على جانب من الجوانب وترك الجانب الآخر فارغًا.. وهكذا. ويستشهد صاحب الزعم بوجود توأم لـ«أبوالهول» بما يشير إليه بلوحة تمثل الليل والنهار في عقيدة المصرى القديم من خلال تصوير تل على اليمين وآخر على اليسار، وأمامهما أسدان، أحدهما يسمى اليوم، ويبعث بكرة صغيرة من فمه إلى الأسد الرابض أمام التل الآخر، ويسمى الغد. وتفسير اللوحة على حد زعمه هو أن وجود أسد
«أبوالهول» أمام هرم خوفو، الذي يمثل التل الأول، يعنى بالضرورة وجود أسد آخر يقف أمام هرم خفرع
«أبوالهول». هذا بالإضافة إلى ما تم تصويره على اللوحة الشهيرة بلوحة الحلم، الموجودة بين قدمى
أبوالهول، وقد نُقشت عليها صورة الملك وهو يقدم القرابين لاثنين من تماثيل «أبوالهول». ويزعم صاحب نظرية توأم «أبوالهول» أنه بالتعاون مع وكالة ناسا الأمريكية لعلوم الفضاء، تم تحديد صورة فضائية لهضبة الأهرام التقطتها مركبة الفضاء أنديفور عام 1994. ولقد أثبتت وجود جسم حجرى ضخم موازٍ
لـ«أبوالهول» الحالى وخلف معبدالوادى، وذلك في نفس المكان المقترح منه لـ«أبوالهول» الثانى، وهو- حسب تقدير صورة الرادار الخاص بالمركبة الفضائية- يقع على عمق حوالى 15 قدمًا من سطح الأرض.
كلام شكله جميل ومنمق، وقد يصدقه مَن ليست له دراية بعلم الآثار وبمنطقة آثار الجيزة، ولذا وجب الرد بالأدلة والأسانيد على هذه الخرافة، والتأكيد على أنه لا يوجد دليل واحد حقيقى يشير مجرد إشارة إلى أن «أبوالهول الجيزة» ليس وحيدًا وأنه كان له توأم!.
وأقول دائمًا- ويتفق معى زملائى المتخصصون في الآثار- إن أي شخص من غير الدارسين لديه القدرة الفائقة على الخيال لأنه ببساطة ليس لديه العلم الذي يقيد به خياله مطلق العنان. إن دراسة الآثار والتخصص فيها يحتاجان إلى سنوات وسنوات حتى يصح للدارس أن يُطلق عليه لقب «أثرى»، ولكن نحن في بلادنا للأسف الشديد نمنح الألقاب بلا حساب، فأى صاحب مهنة هو باشمهندس، وأى خريج قسم الآثار هو أثرى، بل إننى أعرف أحد المرشدين السياحيين، الذي تمرد على لقبه، وتعالى على مهنته الراقية، فأطلق على نفسه لقب المؤرخ وكذلك لقب عالِم المصريات دون أن يكون له مقال علمى واحد منشور في أي دورية علمية!.
نعود إلى موضوعنا؛ فأما لوحة الحلم فيعود تاريخها إلى عصر الدولة الحديثة، وهناك البعض الذي يُرجعها إلى العصر المتأخر، وذُكر في نقوشها بالخط الهيروغليفى اسم «أبوالهول» مفردًا وليس مثنى «حور إم آخت» بمعنى «حورس في الأفق»، والملك يقدم القرابين إلى «أبوالهول» واحد فقط عند الشروق وعند الغروب، ولذلك صُور الملك مرتين وأبوالهول مرتين. أما لوحة الإحصاء فقد عثر عليها أوجست ماريبت أثناء حفائره بالجيزة داخل معبدإيزيس، الذي يقع إلى الشرق من هرم الملكة حنوتسن زوجة الملك خوفو، وأشار إليها هيرودوت خطأً على أنها ابنة الملك خوفو. وهذا المعبدكان أصلًا معبدًا جنائزيًّا لهرم الملكة، ثم تطور في عصر الأسرة السادسة والعشرين، أي منذ ٢٥٠٠ سنة، حتى أصبح معبدًا للإلهة إيزيس، ويوجد على هذه اللوحة نص يقول إن خوفو عثر على «أبوالهول» ومعبدإيزيس، وإذا أخذنا هذا النص دون مناقشة، فإن ذلك يعنى أن «أبوالهول» يرجع إلى ما قبل عصر الملك خوفو.
لقد ناقش العديد من العلماء هذه اللوحة، ووجد أن النصوص في شكلها وقواعدها لا ترجع إلى الدولة القديمة، بالإضافة إلى شكل الآلهة وأسمائها، فإنها تعود إلى العصر المتأخر. وقد أوضح العالِم الفرنسى ماسبيرو بعد كشفها أنها نسخة من أصل كان موجودًا أصلًا في الأسرة الرابعة، وحاول سليم حسن أن يقارن بينها وبين لوحة أخرى ترجع إلى عصر الملك شاباكا من الأسرة الخامسة والعشرين، والتى ذكر فيها أن أصل هذه اللوحة أكلها السوس. لذلك اتفق أغلب العلماء على أن كهنة إيزيس قد كتبوا هذه اللوحة في العصر المتأخر لكى يضيفوا قِدمًا وعراقة لمعبدإيزيس بذكر «أبوالهول» في نقوشها. وهناك حالات مماثلة في التاريخ المصرى القديم. الخلاصة أننا يجب أن نستبعد الهارمونية والسيمترية هنا، ونؤكد أن المصرى القديم يقصد ما هو ممثل فقط على اللوحة، والدليل القاطع هو ذكر «أبوالهول» بصيغة الإفراد. أما القول بأن مداخل المعابد المصرية، وما يحدث على جانب واحد يجب أن يحدث على الجانب الآخر!، فإن تمثال «أبوالهول» لا يوجد أمام معبد، بل العكس المعبدهو الذي يوجد أمام «أبوالهول».
أما بخصوص الصاعقة التي دمرت «أبوالهول» الثانى، فقد ذكرت لوحة الإحصاء، واتفق علماء الآثار والجيولوجيا، على أنها دمرت الأشجار في وادى الغزلان، ولا يمكن أن تدمر تمثالًا منحوتًا من الصخر!، فإذا كانت قد دمرت التمثال الثانى، فلماذا لم تدمر التمثال الأول، وهو على مسافة قريبة من أخيه التوأم المزعوم مثلًا؟!، وإذا كانت قد دمرت التمثال الثانى، فهل دمرته تمامًا، ولم تُبقِ منه ساقًا أو حتى عينًا واحدة؟. لو وقعت صاعقة بالشكل الذي يدمر تمثالًا كتمثال «أبوالهول» فلابد أنه ستكون آثار أضرارها واضحة على المعابد والمقابر الموجودة بالمنطقة، وهذا لم يحدث!، لكن العلماء يعتقدون أن إعصارًا أو رياحًا قوية أسقطت الأشجار، التي كانت موجودة في وادى الغزلان المجاور لـ«أبوالهول».
أما بخصوص اللوحة التي تمثل تتابع الليل والنهار، وأنها تشير إلى تل أيمن وآخر أيسر، فقد بحثت في نصوص الأهرام، وفى كتاب الموتى، وحتى في برديات الأساطير المصرية القديمة، فلم أجد دليلًا على ما يقوله صاحب نظرية توأم «أبوالهول». وأعتقد أنه يقصد ما يُعرف بالـ«أكر»، ويمثل أسدين يجلسان متدابرين يمثلان الشرق والغرب، وأن الشمس تشرق وتغرب منهما، مثلما هو الحال في كلمة «أخِت»، ومخصصها عبارة عن قرص الشمس يشرق بين جبلين أو تلين. وهذا وذاك لا علاقة لهما بـ«أبوالهول».
أما عن الجانب الجنوبى من معبدالوادى والطريق الصاعد للملك خفرع والزعم بأنه مكان توأم «أبوالهول» الذي خسفت به الصاعقة، فهو في الحقيقة مكان المدينة الهرمية الخاصة بالملكة خنت كاوس، ولا توجد أي أدلة فيه أو أثر لـ«أبوالهول» ثانٍ أو ثالث. وقد حُفر هذا الموقع من قِبَل الدكتور سليم حسن. وبالنظر إلى خريطة منطقة آثار الجيزة نجد أن كل شىء واضح عليها، وأثريًّا نجد أنه لا يوجد مكان يمكن أن يخصص لـ«أبوالهول» آخر، كما أن كل الأدلة الأثرية التي ناقشتها من قبل تشير إلى أن «أبوالهول» الحالى قد نُحت بعد اكتمال الطريق الصاعد الخاص بالملك خفرع، أي أنه يخص المجموعة الهرمية للملك خفرع. وإذا نظرنا إلى الرمز الذي ينتهى به اسم «أبوالهول» «حور إم أخت»، فهو عبارة عن تلين متتاليين بينهما قرص الشمس، ولذلك اعتقد المصرى القديم أن التلين يمثلان هرمى خوفو وخفرع، ويمثلان أيضًا هرمى خفرع ومنكاورع وبينهما قرص الشمس الذي يمثل «أبوالهول»، أي الإله حورس الذي يوجد في الأفق. وهما الأفقان أو الهرمان، أي أن «أبوالهول»، ممثلًا لإله الشمس، يشرق ويغرب بين هرمى خوفو وخفرع. ومن الغريب أننا نجد في يومى ٢١ و٢٢ يونيو من كل عام تغرب الشمس تمامًا بين هرمى خوفو وخفرع، وقد يكون سبب اختيار موقع «أبوالهول» في هذا المكان هو أن يحقق رمزية الشمس بين الأفقين. وقد مثل المهندس المصرى القديم تعامد الشمس على كتف «أبوالهول»، وذلك في يومى ٢١ و٢٢ مارس وكذلك يومى ٢١ و٢٢ سبتمبر.
وهناك أيضًا نقطة مهمة جدًّا، وهى أننا نعرف السبب وراء نحت تمثال «أبوالهول» في هذا المكان بالذات؛ على الرغم من أن الجزء الأكبر من التمثال من الرقبة إلى المخالب عبارة عن حجر لا يصلح للنحت وتشكيل ملامح جسم الأسد!، لكن كان المصرى القديم مُصِرًّا على أن يكون التمثال في هذا المكان لكى ينفذ فكرته، وهى وجود «أبوالهول» وأمامه معبد، هو أول معبدشمسى تتم إقامته في الغرب، حيث توجد داخله مقصورة خاصة بطقوس شروق الشمس من الشرق وأخرى في الغرب خاصة بطقوس غروب الشمس، وأربعة وعشرون عمودًا تمثل ساعات الليل والنهار. ولذلك قام الملك خفرع بنحت هذا التمثال لكى يمثله بالوجه الملكى والشارات الملكية ويصوره وهو يمثل الإله حورس وهو يتعبدإلى أبيه الملك خوفو في شكل الإله رع، وذلك أوضح العلاقة بين المعبدووجود التمثال في هذا المكان.
لذلك إذا كان هناك تمثال آخر لـ«أبوالهول»، فما وظيفته؟، وما سبب وجوده؟. أما بخصوص الصورة الفضائية التي التقطتها «ناسا» فلا أعرف شيئًا عن هذه الصورة، وهذه أول مرة أسمع عنها، وأقول إن هذه المعلومة غير صحيحة لأننى مُلِمّ بكل صورة التُقطت لـ«أبوالهول»، ولدىَّ سجل كامل لكل لقطة منذ الصورة الأولى للتمثال.
وأخيرًا نؤكد أن خرافة وجود تمثالين لـ«أبوالهول» أحدهما شمالى وآخر جنوبى ليس لها أساس من الصحة، وهى مجرد خيالات وأوهام ممن يبحثون عن الشهرة الزائفة، ومعروف دائمًا مصير الأكاذيب التي تنتهى إلى سلة المهملات.